أشهى وأبهى من نظم قافية ... أهديتها للمحب عن كثب
أفادت النفس من مسرتها ... ما لم تفده تلافة العنب
ألبستها نظمك البديع وقد ... وافت بليل عقداً من الشهب
فبت منها في نشوة عجب ... معتبقاً للسرور والطرب
وفزت منها بوصل غانية ... ترفل في حلة من الذهب
فأي قلب لم توله طرباً ... وأي عقل دعته لم يجب
ضمنتها العذر فاستلبت بها ... فنون هم من قلب مكتئب
إن لم تجب دعوتي فأنت فتى ... يملا دلو الرضى إلى الكوب
سبحان موليك فطرة العتب ... بالنظم والنثر أيما لعب
دمت من العيش في بلهنية ... تجر أذيالها مدى الحقب
ولما وقف على مرثيتي للوالد التي شنفت المسامع وألفت بين نار الأحزان وماء المدامع عارضها بقصيدة تركت الجوهر عرضاً وشبت في الأحشاء نار الغضا وها أنا مثبت للقصيدتين وجامع بين الخريدتين وقد اجتمعا ويشوقك استماعهما فالأولى قصيدتي وهي هذه
هدّ الحمام لآل عبد مناف ... جبلاً أناف علاه أي مناف
أودى بأبلج من ذوآبة هاشم ... يجلو بغرته دجى الأسداف
بالجوهر الشفاف بل بالوابل ... الوكاف بل باللهذم الرعاف
من لم يزل من بأسه ونواله ... مردي العداة ومورد الأضياف
من لم يزل للقاصدين جنابه ... رحب الفناء وموطأ الأكناف
من لم يزل للواردين حياضه ... ذا ماء يرويهم بعذب صاف
من لم يزل للطالبين علومه ... بالكشف بغنيهم عن الكشاف
من لم يزل يملى جليل جميله ... أوصافه العليا على الوصاف
من كان يطرب من سؤال عفاته ... طرب النشاوى من كؤوس سلاف
لله أي رزية رزأت به ... لا يستقال تلافها بتلاف
رغمت أنوف السمهرية والظبي ... لما أصبن بمرغم الاناف
بالمورد السمر العطاش من الكلي ... يوم النزال ومطعم الأسياف
وتقوضت عمد المواهب والندى ... لما رزئن بواهب الآلاف
ومطوق الأعناق من أفضاله ... بثقال أطواق عليه خفاف
أقريش قد ذهب الآلاف فمن لكم ... من بعد أحمد في الورى بالاف
ابني الهواشم إن طودكم هوى ... وأرى النفوس على هواه هرافي
ذهب الذي أحيى وجدد فضله ... لبني النبي مآثر الأسلاف
وطوى الردى من كان ينشر في الوغى ... حلل الردى قصراً على الأعطاف
إني لأقسم عن يمين برة ... قسم المحق ولست بالحلاف
ما خص رزؤك يا ابن هاشم عصبة ... لكنه عم الورى بتلاف
هذي جموع المكرمات بأسرها ... فصم المنون وفاقها بخلاف
عادت بحار المجد بعدك والعلى ... يبساً وأذّن ماؤها بجفاف
وغدت نفوس أولي العلى مغفلّة ... لما ذهبت ولم تجد من شاف
وبنوا الرجال تبدلت أنوارها ... بغياهب وشهادها بدعاف
وتضعضعت أركان كل قبيلة ... وتشبه الأذناب بالأعراف
والأسد قد فقدت لأجلك بأسها ... فغدت براثنهن كالأظلاف
من يرتجى للجود بعدك والندى ... والفضل والاسعاد والاسعاف
هيهات إن المكرمات جميعها ... طارت بهن قوادم وخوافي
يا درة سمح الزمان لنا بها ... حيناً وأرجعها إلى الأصداف
لا كان رزؤك في الرزايا إنه ... شرف الكرام وغصة الأشراف
عجباً لوجهك كيف إذ غشوه لم ... يغش العيون بنوره الخطاف