للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولولا الأمل في الله تعالى أن يطوي شقة البين. ويكحل بمرآكم الذي هو زلال الواله الحزين العين. لكنت ممن درج بآهات شوقه. وعرج بأنات توقه. ولما توجهت ركابكم إلى تلك الأمصار. أخذ الفقير قاصداً حضرة الوزير الذي ازدانت به الأعصار. فوجده مستمداً بالممالك اليمانيه. في هيئة كسرى أنوشروان وبذة بالمزايا الايمانيه. فلزمت حضرته لزوم الظل واختلت في خمائل عزه في الحرم والحل. فقلدني قضاء جذه بعد أب وأضاف. إلى ذلك النظر في الأوقاف. وفعل بي ما يفعل المحب بالحب فمكثت ثلاث سنين أتقلب في تلك الرياض وأتفيأ ظلال الاعزاز في خمائل هاتيك الغياض مرموقاً لديه بعين مقروره موموقاً ببهجة لا تزال بحرفة الأدب وذويه مسروره. إلى أن أتاه نذير الأجل. والجد في المخا بعد أن كان لصيت قدومه إلى الحجاز زجل. وكان الفقير حال وفاته في بلد يسمي حيس. مزمعاً على سعيه إلى مكة ظناً أن ذلك من الكيس. فجاءنا خبر وفاته هنالك. وأظهر السرور بذلك أهل تلك الممالك. وسبب انتقاله إلى الدار الباقيه. سورة تلك النفس السعيدة التي يعلمها مولانا كفاها الله لوافح لظى بآياته الواقيه. وذلك إنه لما نزل من صنعا. وأحسن في جمع العساكر والأموال والآلات والعدد صنعا. أراد أن يجتمع بحافظ اليمن جعفر باشا وهو إذ ذاك بتعز. وقد أكثر أمراء اليمن الأرجاف وأرهبوا جعفر باشا من لقيا سنان الذي تهابه الليوث وهي أجنة في الأرحام وتحترز. وكان مراد الوزير سنان. أرسل الله عليه شآبيب الرحمة والرضوان. الاجتماع به لأمر قد دبره. وفي نفسه من أمراء اليمن الأقدمين كالروم والشرعبي أحقاد وأحن عظم صغيرها وكبره. وربما خطر بباله إنه حال لقياه بجعفر. يتمكن ممن يريد التمكن منه ويظفر. ففهم الأمراء منه ذلك. فما زالوا يسعون في صده حتى الجؤه إلى المرور من أوعر المسالك. وأوقفوا على الطريق السلطاني جملة من العساكر. وأشعلوا الذبالات لقصد الرمي حتى كأن نجوم الأفق نشرت في بساط البسيطة والأدخنة كالليالي العواكر. فلما وافت محفته ذلك المكان. وتزعزعت للصعود والهبوط منها الأركان. أنكر المرور بتلك الوعور. واستوقف المقدم من الأجناد والأمراء حتى دنا الجمهور. فسألهم عن سبب الصعود والهبوط. والأمر الذي انتقض وهو بذمام السلطان مربوط. فقيل له إن مروركم هذا. إذا قصدتم الطريق السلطاني أفسد وآذى. لاختلاط العساكر بالعساكر. والمساجد بالدساكر. لما في قلوبهم منكم من الإحن. وما قاسوه منكم من المصائب والمحن. فخشى مولانا جعفر باشا. من أحداث العسكرين إيحاشاً. فحينئذ نصب سنان بالبعد من تعز ديوانه. وأقام هنالك وقد أخذت منه حمة الغضب التي تحمله على أن لا يبقي جماد العالم وحيوانه. وتفوه فيما قيل بكلمات يتدكدك منها ثبير. ويتفطر مرارة الليث الهصور إذا مر بسمعه زائر ذلك الخبير. ثم تفكر فرأى أن إغماد النتنة أولى. وأن الآخرة خير له من الأولى. فارتحل نازلاً إلى المخا وقد ابتدأت به من القهر الأسقام. وشب في جوفه نار لا يطفئها إلا الانتقام. فحصل من ذلك حبس في الطبيعه. ويبس في الدافعة التي كانت بالاجابة سريعه. وكان معتاداً بشرب دواء مخصوص. إذا اعتراه شيء من هذا المنصوص. فشربه فلم ينجع. ثم شريه أخرى فأسجح الأمعاء وأوجع. وكان ذلك سبباً لمماته. ودفنه بتربة الشاذلي محاذياً للولي وكماته. ثم آب الفقير راجعاً قافلاً إلى وطنه. وحيث كان رافلاً في شرخ شبيبته وعطفه. فلم يجد به ذلك الأنس المألوف. ولا رأى ذلك الرواق المعروف. وتنكرت عليه الديار. وأقوت الربوع والمعاهد من الصفوة وأولئك الأخيار. وغصت الصدور بالمتشدقين والمتزندقين والأعثار. وزبب قوم قبل أن يحصرموا. لا تمحضوا للتحصيل ولا تخضرموا. وصرفت المدارس السلطانية لمن لا يعرف التهجي. فكيف إذا طلب منه الفرق بين التوقع والترجي. ولا يفرق بين الاسم والمسمى. فكيف يفك فك اللغز والمعمى. ثم إنهم أرتجوا أبوابها. ومزقوا جلبابها. تمر السنون والأعوام. ولا يكحل بألفاظهم المسودة للوجوه ولا أقول للآماق يوماً من الأيام. وهم على ما فيهم من عوج. كأنهم أهل بدر فلا يخشون من حرج. يختالون في صدور المواكب. بالعذبات المعوجة وهز المناكب. ويتنافسون في المجالس. ويتقاعسون عما يروم المجالس. ويدرجون العمائم. ولا يتحرجون عن النمائم. أستغفر الله فيما جرى به القلم. وإنما هو نفثة

<<  <   >  >>