كنت ممن قد أتى على حين من الدهر متخلياً بأشجاني. متسلياً ممن شانه في اعتيام الحوادث شاني. حزيناً لما منيت به من مفارقة جيرتي وأوطاني. حتى طرق الطارق. وما أدراك ما الطارق. بناء هائل. وخبر واعيه ذاهب اللب ذاهل. وهو وصول الأتراك من اليمن. واجهازهم على رمقي تلك الفتن السابقة والمحن. ومصارع السادة الأشراف الصفوة من بني الحسن. فزاد كما يعلم الله الفؤاد جمراً إلى جمر. وغادر الأحشاء كأنما تشك بأطراف المثقفة السمر. فهل يا مولاي على مغمور بغمرات هذه الأحوال. ومطمور من سهام النوائب بين أنياب أغوال. من لائمة إذا ذهب عما يجب من تقديم الثناء على تلك الشمائل. وتقويم ماهية الرسائل التي هي إلى قوام الأرواح أعظم الوسائل. ببث يسير من حميدات الخصائل. لتلك الذات الجامعة لجميع الفضائل. بعد تقبيل أرضها التي تعشو شب بأكنافها العلوم والآداب أعشاب الأعشاب. وتشرق بساحتها شموس الحقائق والمعارف. فتؤمن من الضلال بظلمات الشبه في مسالك الهداية المخاوف. الامام الذي غذى بلبان الكمالات والفضائل. الهمام الذي نصت عليه مخدرات العلوم. فكل أجل كفء بحل عويصاتها كافل. العلامة المبرز على أقرانه. بفضائل غير متناهية تشكك في امتناع التسلسل وصحة برهانه. كالشمس قلت وما للشمس أقران. خلاصة العلماء الاعلام. سلالة العظماء الذين سادوا بمجدهم الأنام. مولانا وسيدنا القاضي تاج الدين زاد الله اجلاله. ثم ينهي أنه قد تبين من شرح نبذة من أحواله. بما بثه من مقاله. وهجر به هجر الواله. ما هو جواب عن سؤال مقدر. واستفهام يقتضيه المقام مضمر. فيعطف عن استقصاء ذلك عنان القلم خاسئاً وهو حسير. ويصرفه إلى استعطاء ذي الفضل الكبير مبتهلاً سائلاً. ومتضرعاً قائلاً. اللهم فبحق من انتخبتهم لتبليغ رسالاتك. وأيدتهم بحججك البالغة وآياتك. وبحق المقتدين بآدابهم. من ذرياتهم وأصحابهم. وبحق الصافين في طاعتك أقدامهم. المستغرقين في جلال هدايتك لياليهم وأيامهم. وبحق سمواتك وما فيها من آيات للمتبصرين. وبحق مجاوري بيتك الحرام حجاجاً ومعتمرين. إلا ما رزقتني العود إلى حرمك. وقضيت لي بالرجوع إلى جوار بيتك المحرم بجودك وكرمك. ويلتمس من فضلكم هذا الدعاء في الملتزم والمستجار. وفي ادبار الصلوات وبالاسحار. لعل الله سبحانه يمن عليه بالخلاص من هذه الديار. والاياب إلى تلك المشاعر المشرفة الاوطار. إنه على ما يشاء قدير. وبالاجابة لمن دعاه جدير. والمأمول من فضلكم أن تؤنسوا وحشته بمكاتباتكم الكريمه. وتصلوا وحدته بمراسلاتكم التي هي من داء الهيام أعظم عوذة وتميمه. فإنه في دار وحشة ليس بها أنيس. وفي جيل أنس منهم اليعافير والعيس. لا يتسلى إلا بأبيات من الشعر سمح بها فكر قد صلد زناده. وصرد ايقاده. وحم بشآبيب الحوادث احماده. في مكان اعرابه اهناده. فهو لا يستأنس إلا بانشادها في الخلوات. واسعادها بالمسامرة إذا جنت الظلمات. لا لأنها لذلك أهل. بل لكون الهشيم يرعى لا محالة في المحل. وعند الضرورة يعتاض تمايل الأغصان بالنسيم عن الهيف ويقتنع لفقد محيا الحبيب بالبدر على ما فيه من الكلف. والجوع يرضي الأسود بالجيف وقد أداه ما ادعاه من الوله والهيام إلى اثباتها. كيلا تكون دعواه مجدرة عن بيناتها وهي
صوادح البان وهنا شجوها بادي ... فمن عذير فتى في فت أكباد
صب إذا غنت الورقاء أرّقه ... تذكيرها نغمات الشادن الشادي
فبات يرعف من جفنيه تحسبه ... يزبرج المدمع الوكاف بالجاد
جافي المضاجع الف السهد ساوره ... سم الأساود أو أنياب آساد
له إذا الليل واراه نشيج شج ... وجذوة في حشاه ذات ايقاد
سمّاره حين يضنيه توحشه ... فيشرئبّ إلى تانيس عوّاد
وجدوهم وأشجان وبرح جوى ... ولوعة تتلظى والأسى ساد
أضناه تفريق شمل ظل مجتمعاً ... وصو من بالعود دهر خطبه عاد
فالعمر ما بين ضن ينقضي وضنا ... والدهر ما بين ابعاد وايعاد
لا وصل سلمي وذات الخال يرقبه ... ولا يؤمل من سعدي لاسعاد