السَّيَّارَةِ، وَبَعْضُ السَّيَّارَةِ مِنَ السَّيَّارَةِ، كَمَا تَقُولُ: ذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ، لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ ذَهَبَتْ أَصَابِعُهُ أَوْ تَلْتَقِطْهُ السَّيَّارَةُ فَأَحْلَلْتَ الْأَوَّلَ مَحَلَّ الثَّانِي كَانَ صَوَابًا قَالَ جَرِيرٌ:
أَرَى مُرَّ السِّنِينِ أَخَذْنَ مِنِّي ... كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ
وَقَالَ أَيْضًا:
إِذَا بَعْضُ السِّنِينِ تَعَرَّقَتْنَا ... كَفَى الْأَيْتَامَ فَقْدُ أَبِى الْيَتِيمِ
وَلَوْ قُلْتَ تُعْجِبُنِي ضَحِكُ الْجَارِيَةِ كَانَ خَطَأً، لِأَنَّ الضَّحِكَ قَدْ يُعْجِبُكَ وَلَا تُعْجِبُكَ الْجَارِيَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ غُلَامُ الْمَرْأَةِ كَانَ خَطَأً، لِأَنَّ الْغُلَامَ لَيْسَ هُوَ الْمَرْأَةُ، فَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يَرِدُ عَلَيْكَ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا}.
قَرَأَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَتُشِمُّهَا الضَّمَّ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ، لِأَنَّ الْأَعْمَشَ قَرَأَ «تَأْمَنُنَا» بِالْإِظْهَارِ، أَتَى بِالْكَلِمَةِ عَلَى أَصْلِهَا.
وَالْبَاقُونَ أَدْغَمُوا كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ حَرَفَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْضًا: «تَأْمَنَّا» مُدْغَمًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُشِمَّ النُّونَ الضَّمَّةَ، لِأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مُدْغَمٍ يُسْكَنُ ثُمَّ يُدْغَمُ.
وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ: «تِيمَنَّا» بِكَسْرِ التَّاءِ، هِيَ لُغَةٌ، يَقُولُونَ فِي كُلِّ فِعْلٍ كَانَ الْمَاضِي مِنْهُ عَلَى فَعِلَ بِكَسْرِ أَوَّلِ الْمُضَارِعِ نَحْوَ عَلِمْتَ تِعْلَمُ وَأَمِنْتَ تِيمَنُ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَقُولُ «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ»، وَأَنْشَدَنِي ابْنُ مُجَاهِدٍ:
لَوْ قُلْتَ مَا فِي قَوْمِهَا لَمْ تِيثَمِ ... يَفْضُلُهَا فِي حَسَبٍ وَمِيسَمِ
وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَنْ كَسَرَ التَّاءَ وَالنُّونَ وَالْهَمْزَةَ فِي «تِعْلَمُ وَنِعْلَمُ وَأَنَا أَعْلَمُ»، لَمْ يَقُلْ: زَيْدٌ يِعْلَمُ اسْتِثْقَالًا لِلْكَسْرَةِ عَلَى الْيَاءِ.
- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}.
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ بِالنُّونِ جَمِيعًا وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالْعَيْنِ، فَمَعْنَى «نَرْتَعْ»، أَيْ: نَتَّسِعُ فِي الْخِصْبِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّتْعَةِ، وَنَلْعَبْ: نُسَرُّ، فَقِيلَ لِأَبِي عَمْرٍو: وَكَيْفَ يَلْعَبُونَ وَهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذْ ذَاكَ لَمْ يَكُونُوا بِأَنْبِيَاءَ بَعْدُ، يُقَالُ: رَتَعَ يَرْتَعُ وَرُتُوعًا فَهُوَ رَاتِعٌ، قَالَ الشَّاعِرُ: