للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جمع؛ لأنَّها غيرُ أصليَّةٍ، وذريته تكفى من الذّريات كما قَالَ: {ذُرِّيَةً بعضُهَا مِنْ بَعضِ}.

وقوله تعالى: {لمسخناهم على مكانتهم}.

قرأ عاصم فِي روايةِ أَبِي بَكْرٍ: «مَكَانَاتِهِمْ» جماعًا.

وقرأ الباقون: «مَكَانَتِهِمْ» بالتَّوحيد. وقد ذكرت علّته فِي هود وإنما أعدتُ لأنَّ محمدًا حَدَّثَنِي عنْ ثَعلب عنْ سَلَمَةَ عنْ الفَرَّاءِ قَالَ: تَقُولُ العَرَبُ: مَسَخَهُ اللَّه قردًا، ونَسَخهُ قردًا بمعنى، وهذا الحرفُ نادِرٌ. فالمَسخُ بالفتح المَصدر، والمِسخ بالكسر الاسمُ مثل الذَّبح مصدر ذَبَحْتُ ذَبْحًا، والذِّبْحُ المَذْبُوْحُ، قَالَ اللَّه تَعَالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيْمٍ} فأمَّا كلامٌ بَلغٌ، وبِلغٌ فمعناها واحدٌ، وهو البَلِيْغُ.

وقولُه تَعَالى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حيًّا}.

قرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ: «لِتُنْذِرَ» بالتَّاء عَلَى الخطاب أي: لتنذر يا مُحَمَّد من كان حيًّا. أي حيَّ القلبِ حيَّ السمعِ.

وقرأ الباقون: «ليُنْذِرَ» بالياء أي: ليُنذر القرآن، وذلك أن اللَّه عزَّ وجلَّ أنزل القرآن بشيرًا، ونذيرًا. فالنذير النَّبيّ، والنَّذير القرآن، والبَشيرُ القرآن، والبَشيرُ النَّبِيِّ وأمَّا قولُه: (كَيْفَ كان نَذِيْرٌ) فمصدرٌ، ومعناه: فكيف كان إنذاري، وأمَّا قوله: {وجاءكم النذير} فقيل: النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: النَّذِيْرُ الشّيْبُ، وكان رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُلَّ ضحكه التَّبَسُّمُ. فلمَّا رَأَى الشَّيب ما تَبَسَّمَ حَتَّى تَوفَّاهُ اللَّه عزَّ وجلَّ، هَذَا قول، واحتَجُّوا بأنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «شَيْبَتْنِيْ هُوْدُ وأَخَوَاتُها».

فأمَّا ابنُ عَرَفَةَ فحدَّثنا، عنْ مُحَمَّد بن عبد الملك، عن يزيد بن هارون، عنْ حُميد، قَالَ: سُئل أنس: هَلْ خَضَبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما شانه الشَّيبُ، فقيل: أَوَشَيْنٌ هُوَ يا أبا حَمزة؟ قَالَ: كُلُّكُمْ يَكْرَهُهُ.

والصَّحِيْحُ: أن رَسُولَ اللَّه بعث وهو ابْنُ أربعينَ، وبقى بمكة ثلاثَ عَشْرَةَ سنة، ثُمَّ هاجرَ إلى المدينة، وبقى بها عشر سنين فتوفي النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابنُ ثلاثٍ وستين سنةً، وليس فِي رأسه، ولحيته إلا شعرات بيض نحو بضع عشرة، ويُقال:

أول مَنْ شابَ خليلُ الرَّحْمَن عَلَيْهِ السَّلام، فأَوحى اللَّه إِلَيْه أشقل وقارًا بالسّريانية

<<  <   >  >>