للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في هذا الشرح منه؛ لما عُلِمَ أنَّ لكلِّ أهلِ فنٍّ اصطلاحًا يجب استحضاره عند الخوض فيه.

عليه أهل الحديث، وصار عِلمًا مستقلًّا، وهو قسمان أحدهما يسمَّى علم الحديث درايةً، وثانيهما يسمَّى علم الحديث روايةً.

فأمَّا الأوَّل فحَدُّهُ: علمٌ بقوانين يُعرف بها أحوال السَّند والمتن؛ من صحة وحُسن وضعف، وعلوٍّ ونزول، وكيفية التَّحمل والأداء، وصفات الرِّجال، وغير ذلك.

ولنتكلم على مفردات هذا الحدِّ فنقول:

قولهم: (علم بقوانين)؛ أي: بقواعد وضوابط، كقولك: الصَّحيح ما احتوى على اتّصال السَّند والعدالة والضَّبط وخلا من الشُّذوذ والعلَّة القادحة، والحَسَن كذلك على ما يأتي، والضَّعيف ما خلا عنها أو عن بعضها.

وقوله: (وأحوال السَّند والمتن)؛ أي: سواء العامَّة لهما والخاصَّة بأحدهما، فقوله: (من صحة وحسن … ) إلى آخره، عامَّة لهما.

قوله: (وعلوٍّ ونزول) خاصَّةٌ بالسَّند كما سيأتي، ولم يذكروا الخاصَّ بالمتن كأن يقال: ورفع وقطع مثلًا إلَّا أن يقال إِنَّه داخل في قولهم: (وغير ذلك).

وقوله: (وكيفيةُ التحمل) بالرَّفع عطفًا على أحوال؛ أي: تحمُّل الحديث وروايته عن الشَّيخ، وهي أقسام:

منها القراءة على الشَّيخ والسَّماع منه والإجازة وغير ذلك ممَّا سيأتي، وأمَّا كيفية الأداء فهي تابعة لكيفية التَّحمُّل من قوله فيه: (حدَّثنا) إذا كان سمع من لفظ الشَّيخ و (أخبرنا) إذا كان قرأ عليه وغير ذلك ممَّا ستعرفه.

وقوله: (وصفات الرِّجال)؛ أي: من عدالة وفسقٍ وتعبير عنهما -بما يسمَّى بالجرح والتَّعديل- كعدل وكذَّاب وغير ذلك، وقولهم: (وغير ذلك)؛ أي: كالرِّواية بالمعنى، ورواية الأكابر عن الأصاغر، وغير ذلك ممَّا ستقف على تفصيله.

وهذا الحدُّ للشَّيخ عزِّ الدِّين ابن جماعة.

وأخصرُ منه: علمٌ يُعرف به أحوال الرَّاوي والمرويِّ من حيث القبول والرَّدُّ.

وعرَّفه بعضهم بأنَّه: علمٌ يُعرف به حقيقة الرِّواية وشروطها وأنواعها وأحكامها وحال الرُّواة وشروطهم وأصناف المرويَّات وما يتعلَّق بها.

فـ (حقيقة الرِّواية) نقل السُّنَّة ونحوها كأقوال الصَّحابة، وإسناد ذلك إلى من عُزِيَ إليه بتحديثٍ وإخبارٍ وغيرهما.

و (شروطها) تحمُّل راويها لما يرويه بنوع من أنواع التَّحمُّل من سماعٍ أو قراءة أو غيرهما.

و (أنواعها) الاتِّصال والانقطاع ونحوهما.

و (أحكامها) القبول والردُّ.

و (حال الرواة): العدالة والجرح.

و (شرطهم) في التَّحمُّل والأداء ما يأتي من الإسلام والبلوغ والعدالة … إلى آخره.

(وأصناف المرويات) المصنَّفات من المسانيد ونحوها أحاديث أو آثار أو غيرهما.

(وما يتعلَّق بها) هو معرفة اصطلاح أهلها.

وموضوعه: الرَّاوي والمرويُّ من حيث ذلك، على القاعدة مِن أنَّ موضوع كلِّ علمٍ ما يبحث فيه عن عوارضه الذَّاتيَّة.

وفائدته: معرفة ما يُقبل وما يُردُّ من ذلك.

وواضعه: الرَّامهرمزيُّ على ما ذكره الشَّارح والسُّيوطيُّ في «شرح النُّخبة» لا ابن شهاب الزُّهريِّ كما ذكره في «حواشي البيقونيَّة»، بل هو واضع علم الحديث رواية كما سنذكر.

واستمداده: من أقواله وأفعاله وتقريراته.

وفضله: أنَّ فيه فضلًا جزيلًا؛ لأنَّ به يُعرف كيفية الاقتداء برسول الله في أفعاله وأقواله وأخلاقه.

وحكمه: الوجوب العينيُّ على مَن انفرد به، والكفائيُّ على مَن لم ينفرد.

واسمه: علم الحديث دراية؛ أي: الحاصل بالدِّراية، وهي التَّفكُّر؛ أي: العلم الحاصل بالتَّفكر.

ونسبته: أنَّه بعض العلوم الشَّرعيَّة: وهي الفقه والتَّفسير والحديث.

ومسائله: قضاياه الَّتي يطلب فيها إثبات محمولاتها لموضوعاتها، كقولك: كلُّ حديث صحيح يُقبل أو يستدلُّ به، وكلُّ ضعيف يقبل في فضائل الأعمال ولا يستدلُّ به؛ أي: على الأحكام. فهذه مبادئه العشرة.

وأما علم الحديث رواية فحدُّهُ: علمٌ يشتمل على ما أضيف إلى النَّبيِّ قولًا أو فعلًا أو تقريرًا.

أي: يَشتمل على رواية ذلك؛ -أي: نقله- وضبطه وتحرير ألفاظه.

وموضوعه: ذات النَّبيِّ من حيث أقواله وأفعاله … إلى آخره.

وواضعه: ابن شهاب الزهري شيخ البخاري (١)؛ أي: أنَّه أوَّل مَن دوَّنه وجمعه بأمر عمر بن عبد العزيز بعد موته بمئة سنة، وقد مات أغلب مَن كان يحفظه، فلولا أمره بجمعه لضاع، وقد دخله الضَّعيف والشَّاذُّ ونحو ذلك، ولو جمع في حياته لكان مضبوطًا كالقرآن.

وفائدته: الاحتراز عن الخطأ في نقل ذلك.

وغايته: الفوز بسعادة الدَّارين.

واسمه: علم الحديث رواية؛ أي: العلم الحاصل بالرِّواية؛ أي: النَّقل والإخبار.

ومسائله: قضاياه الَّتي تُطلب فيه … إلى آخره، كقولك: قال : «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فإنَّه متضمِّنٌ لقضيَّة قائلة: «إنَّما الأعمال بالنِّيَّات» من أقواله ، فالمراد: القضايا ولو ضمنًا، وباقي مبادئه يَشترك فيها مع الأوَّل


(١) قوله: «شيخ البخاريِّ» لعله: شيخ مالك، وإلَّا فالبخاريُّ بينه وبين الزُّهريِّ جملة وسائط. ا هـ مصححه

<<  <   >  >>