للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو قرينةٍ في الرَّاوي والمرويِّ، فقد وُضِعَت أحاديث يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها، ورُوِينا عن الرَّبيع بن خُثَيْم التَّابعيِّ الجليل أنَّه قال: إنَّ للحديث ضوءًا كضوء النَّهار يُعرَف، وظلمةً كظلمة اللَّيل تُنكَر.

والمقلوب: كحديثٍ متنُه

زمن هذا الراوي، وهل يثبت الوضع بالبينة؟.

قال الزركشي: يُشبه أن يكون فيه التردد في أنَّ شهادة الزور هل تثبت بالبينة مع القطع بأنَّه لا يُعمل به. انتهى.

قوله: (أَوْ قَرِيْنَةٍ فِي الرَّاوِي)؛ أي: كروايته عمَّن إذا سئل عن مولده ذكر تاريخًا يعلم به وفاة ذلك الشيخ قبله، وهو ممَّا سبق، وكذا كون الراوي رافضيًا والحديث في فضائل آل البيت، كما رُوي عن الزهري؛ عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: نظر النَّبيُّ إلى عليٍّ فقال: «أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، ومن أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوُّك عدوي، وعدوِّي عدوُّ الله، والويل لمن أبغضك بعدي»، وأصله أنَّه كان لمعمَر ابن أخ رافضي، فدسَّ في كتب مَعْمَر هذا الحديث، فحدَّثَ بهِ عبد الرزاق عن معمر عن الزُّهري … إلى آخره، وهو باطل موضوع كما قاله ابن معين، وكذلك إذا رَوَىَ ما يفيد ذمًّا لمن يكرهه أو مدحًا لمن يحبه؛ كما قيل لمأمون بن أحمد الهَرَوي: ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخُراسان؟ فقال: حدَّثنا أحمد بن عبد البر: حدَّثنا عبد الله بن مِعدان الأزدي، عن أنس مرفوعًا: «يكون في أمتي رجل يقال له: محمد بن إدريس، أضرُّ على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له: أبو حنيفة هو سراج أمتي، هو سراج أمتي».

قوله: (والمَرْوِي) مَثَّلَ لهُ في «التقريب» بالأحاديث الركيكة اللفظ والمعنى، وقال شيخ الإسلام: والمدار في الرِّكَّةِ على رِكَّةِ المعنى فحيثما وُجدت دَلَّ على الوضع وإن لم ينضم إليها ركة اللفظ؛ لأنَّ هذا الدين كله محاسن، والركة ترجع إلى الرداءة، قال: أمَّا ركة اللفظ فقط فلا تدلُّ على ذلك لاحتمال أن يكون رواه بالمعنى فغيَّرَ ألفاظه بغير فصيحٍ، نعم إن صرَّح بأنَّه من لفظ النَّبيِّ فكاذب. انتهى.

ومن قرائنِ حال المروي: أن يكون مُخالفًا للعقل بحيث لا يقبلُ التأويل، كما رواه ابن الجوزي من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: «أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا وصلت عند المقام ركعتين».

ومن قرائن ذلك أيضًا: تضمنه لما تتوفر الدواعي على نقله، أو كونه أصلًا في الدين ولم يتواتر كالنص الذي تَزْعم الرافضة أنَّه دلَّ على إمامة علي.

وأن لا يوجد ذلك الحديث في صدور الرواة ولا بطون الكتب بعد استيعابها بحيث لا يبقى ديوان ولا راو إلَّا وقد كشف منه في جميع الأقطار، وهذا متعسر أو متعذر.

ويلحق بذلك ما يدفعهُ الحسُّ والمشاهدة، أو يكون منافيًا لدلالة الكتاب القطعية أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي، أما المعارضة مع إمكان الجمع فلا.

ومنها: الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير كقوله: «من أكل الثوم ليلة الجمعة فليهو في النار سبعين خريفًا»، وكذا الوعد العظيم على فعل الشيء الحقير، كقوله: «لقمة في بطن جائع أفضل من بناء ألف جامع» وهذا كثير في أحاديث القصاص.

تنبيه: ما ذكرهُ ابن الجوزي في كتابه في «الموضوعات» أدخل فيه كثيرًا ممَّا لا دليلَ على وضعه، بل بمجردِ كلام بعض الناس في أحدِ رُواتها، كقوله: فلانٌ ضعيف أو ليس بالقوي أو لين، وقد يكون ذلك في حديث لا يشهد العقل ببطلانه ولا فيه مخالفةٌ لكتابٍ ولا سنة ولا إجماع ولا حجة بأنَّه

موضوع سوى كلام ذلك الرجل في راويه، وفيه الحَسن بل والصحيح.

قال الذهبي: ربما ذكر ابن الجوزي في «الموضوعات» أحاديث حسانًا قوية.

وقال شيخ الإسلام: غالب ما في كتاب ابن الجوزي موضوع، والذي يُنْتَقَدُ عليه بالنسبة إلى ما لا يُنْتَقَدُ قليل، ومن الضرر أنْ يُظنَّ ما ليس بموضوع موضوعًا كما يظنُّ ما ليس بصحيح صحيحًا. انتهى.

ومن العجب منه أنَّه ذكر فيه حديثًا أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «إن طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَوْشَكَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ في سَخَطِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ في لَعْنَتِهِ، في أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ».

قال شيخ الإسلام: لم أقفْ في كتاب «الموضوعات» على شيءٍٍ حكم عليه بالوضع وهو في أحد الصحيحين غير هذا الحديث وإنها لغفلة شديدة، ثم تكلم عليه وعلى شواهده.

قوله: (وَظُلْمَةً كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ) قال ابن الجوزي: الحديث المُنكر يقشعر له جلدُ الطالب للعلم، ويَنفُر قلبه منه في الغالب. انتهى.

ومرادهُ بالمنكر الموضوع.

قوله: (وَالمَقْلُوْب)؛ أي: الحديث المقلوب، والقلب: هو تبديل شيء بآخر على الوجه الآتي، ثم هو إما أن يكون عمدًا أو سهوًا، والعمد قسمان وكل منهما في السند وهما اللذان ذكرهما الشارح، والسَّهو قسمان أيضًا لكن أحدهما في السند والآخر في المتن، فالأقسام أربعة كما ستعرفه، وتعريفه العام للأقسام كلِّها هو ما سلف، وأما الخاص ببعض

<<  <   >  >>