فأَوْلى بالقَبول من صورة اتِّحاده، وإن تعدَّدت يقينًا قُبِلَت اتِّفاقًا.
والمقطوع: ما جاء عن تابعيٍّ من قوله أو فعله موقوفًا عليه، وليس بحجَّةٍ.
والمنقطع: ما سقط من رواته واحدٌ قبل الصَّحابيِّ، وكذا من مكانين أو أكثر، بحيث لا يزيد كلُّ ما سقط منها على راوٍ واحدٍ.
والمُعضَل: ما سقط من رواته قبل الصَّحابيِّ اثنان فأكثر، مع التَّوالي، كقول مالكٍ: قال رسول الله ﷺ، ولعدم التَّقييد باثنين قال ابن الصَّلاح: إنَّ قول المصنِّفين: «قال رسول الله ﷺ» من قبيل المُعضَل، ومنه أيضًا حذف لفظ النَّبيِّ والصَّحابيِّ معًا، ووَقْف المتن على التَّابعيِّ؛
أقوالًا أخرى فيها: منها أنَّها لا تُقبل إن غَيَّرت الإعراب، وقيل: إلَّا إنْ أفادت حُكمًا، وقيل: إن زادها واحد وكان من رواه ناقصًا جماعة لا يغفل مثلهم عن مثلها عادةً لم تُقبل وإلَّا قُبلت، واستشكل شيخ الإسلام قبولها مطلقًا؛ بأنهم شرطوا في الصحيح والحسن أن لا يكون شاذًا مع تفسيرهم الشذوذ بمخالفة الثقة مَن هو أوثق منه، قال: والمنقول عن أئمة المحدِّثين كالبخاري والحاكم والنسائي والدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة المنافية بحيث يلزم من قبولها ردُّ الرواية الأخرى.
قوله: (الْمَقْطُوْع) جمعه مقاطع ومقاطيع، وسُمِّيَ الحديث المذكور بذلك لقطعه عن الوصول للصحابي أو النَّبيِّ ﷺ، والفرق بينه وبين المنقطع أنَّه من أوصاف المتن، والمنقطع من أوصاف السند.
قال الزركشي في «النُّكت»: إدخال المقطوع في أنواع الحديث فيه تسامحٌ كبير فإنَّ أقوال التابعين ومذاهبهم لا مدخل لها في الحديث فكيف تُعدُّ نوعًا منه، قال: نعم، يَجيءُ هنا ما في الموقوف من أنَّه إذا كان ذلك لا مجال للاجتهاد فيه يكون في حكم المرفوع، وبه صرَّح ابن العربي وادَّعى أنَّه مذهب مالك.
قوله: (مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ)؛ أي: أو تقريره سواء كان إسناده متصلًا أم لا، حيث خلا عن قرينة الرفع والوقف بأن لم يكن للرأي فيه مجالٌ وإلَّا سُمِّي مرفوعًا أو موقوفًا لا مقطوعًا، وكالتابعي مَنْ دونه، وقد استعمل الشافعيُّ والطبرانيُّ المقطوعَ في المنقطع الذي لم يتَّصل إسناده لكن قبل استقرار الاصطلاح.
قوله: (مَا سَقَطَ … ) إلى آخره؛ أي: ما لم يتصل إسناده بل سقط منه واحد قبل الصحابي في الموضع الواحد أيِّ موضعٍ كان، وإن تعددت المواضع بحيث لا يزيد الساقط في كلٍّ منها على واحد فيكون منقطعًا من مواضع، فخرج بالواحد المعضل الآتي وبما قبل الصحابي المرسل، ولم يُقيدوه بكون الساقط في غير أول السند فمقتضاه دخول المعلَّق فيه، ولا يبعد التقييد لتخصيص ذلك باسم يَخُصُّهُ.
وما ذهب إليه الشارح من التقييد بالواحد هو المشهور، وذهب غيره إلى أنَّ المنقطع ما لم يتصل إسناده على أيِّ وجهٍ كان انقطاعه؛ أي: سواء كان الساقط منه واحدًا أو أكثر، صحابيًا أو غيره، وهو الذي صححه النووي، وهو أقرب من جهة المعنى اللغوي؛ فإنَّ الانقطاع ضدُّ الاتصال فيصدق بالواحد والأكثر.
قال ابن الصلاح: إلَّا أنَّ أكثر ما يُوصف بالانقطاع من حيث الاستعمالُ ما رواه مَن دون التابعي عن الصحابي كمالك عن ابن عمر، وأكثر ما يوصف بالإعضال ما سقط منه اثنان، وأكثر ما يُوصف بالتعليق ما حذف أول سنده ولو إلى آخره، فالأكثر استعمالًا هو القول المشهور. انتهى.
والانقطاع قد يكون ظاهرًا وقد يخفى فلا يدركه إلَّا أهل المعرفة، ويُعرف بمجيئه من وجهٍ آخر بزيادة رجلٍ أو أكثر.
قوله: (وَالمُعْضَل) وبفتح الضاد المعجمة، اسم مفعول بمعنى المُعيا، بصيغة اسم المفعول، والعين مهملة ساكنة، مِن أعضله فلانٌ؛ أي: أعياه. فكأنَّ المحدِّث الذي حدَّثَ به أعضله وأعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه، قال ابن الصلاح: أهلُ الحديث يقولون: أعضله فهو معضَل، وهو اصطلاحٌ مُشكلُ المأخذِ من حيث اللغةُ؛ لأن مُفْعَلًا بفتح العين لا يكون إلَّا من ثلاثي لازم عُدِّيَ بالهمزة، وهذا لازم معها، قال: وقد بحثتُ فوجدتُ لهم أمر عضل؛ أي: مُستغلق شديد، وفعيل بمعنى فاعل يدلُّ على الثلاثي، فعلى هذا يكون لنا عضل قاصرًا وأعضل متعديًا. انتهى.
قوله: (قَبْلَ الصَّحَابِي)؛ أي: سواءٌ سقط الصحابي أيضًا أو لا، والظاهر أنَّ المقصود الصحابي الراوي عنه ﷺ، فلو كان ثمَّ صحابي روى عن صحابيٍّ فسقط أيضًا فهو كالتَّابعي.
وقوله: (اثْنَان)؛ أي: من غير أول الإسناد كما قَيَّدَ به الشُّمنِّيُّ والتَّبريزي، أما ما كان في أوله فمُعَلَّق، وسواءٌ كان سقوط الاثنين المذكورين في موضع واحد أو مواضع، فيكون معضلًا من مواضع، وسواء كان الساقط الصحابي والتابعي، أو التابعي وتابعه، أو اثنان قبلهما.
قوله: (كَقَوْلِ مَالِكٍ … ) إلى آخره؛ أي: فإنَّه يَروي عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، فقد أسقطَ قبل عمر اثنين، ومثله في الموطأ: بلغني عن أبي هريرة أنَّ رسول الله ﷺ قال: «للمملوك طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوْفِ»، فإنَّ مالكًا وصله خارج الموطأ عن محمد بن عَجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، فعرفنا بذلك سقوط اثنين منه، ومنه: الشافعي، عن مالك، عن أبي هريرة بإسقاط أبي الزناد والأعرج.
قوله: (قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّ قَوْلَ المُصَنِّفِيْن … ) إلى آخره؛ أي: على غير الأشهر ليلائم ما سبق عنه من تسمية هذا بالمعلَّق.
قوله: (وَوَقْفُ الْمَتْنِ عَلَى التَّابِعِيِّ)؛ أي: إن كان عند ذلك التابعي مرفوعًا متصلًا كما سيأتي فهو مُعضل؛ لأنَّه اشتمل على الانقطاع بالرسول الذي هو الأصل؛ لأنَّه منشأ الأحكام والصحابي المتلقي عنه تلك