وأوَّل من صنَّف في ذلك: القاضي أبو محمَّدٍ الرَّامَهُرمُزيُّ في كتابه «المُحدِّث الفاصل»، والحاكم أبو عبد الله النَّيسابوريُّ، ثمَّ أبو نُعيمٍ الأصبهانيُّ، ثمَّ الحافظ أبو بكرٍ الخطيبُ البغداديُّ في كتابه: «الكفاية في قوانين الرِّواية»، وكتاب «الجامع لآداب الشَّيخ والسَّامع» ثمَّ القاضي عياض في «الإلماع»، والحافظ القطب أبو بكر بن أحمد القسطلانيُّ في «المنهج المبهج عند الاستماع لمن رغب في علوم الحديث على الاطِّلاع»، وأبو جعفرٍ الميانجيُّ في جزءٍ سمَّاه: «ما لا يَسَعُ المحدِّث جَهْله»، ثمَّ الحافظ أبو عمرو بن الصَّلاح، فعكف النَّاس عليه وساروا بسيره، فمنهم النَّاظم له والمختصر، والمستدرك عليه والمقتصر، والمعارض له والمنتصر، فجزاهم الله تعالى خيرًا.
وإذا عُلِمَ هذا؛ فليُعلَم أنَّهم قسموا السُّنن المضافة له ﷺ -قولًا وفعلًا وَتقريرًا، وكذا وصفًا وخَلْقًا؛ ككونه ليس بالطَّويل ولا بالقصير، وأيَّامًا؛ كاستشهاد حمزة وقَتْلِ أبي جهل- إلى متواترٍ ومشهورٍ، وصحيحٍ، وحسنٍ، وصالحٍ، ومُضعَّفٍ، وضعيفٍ، ومُسنَدٍ، ومرفوعٍ، وموقوفٍ، وموصولٍ، ومُرسَلٍ، ومقطوعٍ، ومنقطعٍ، ومُعضَلٍ، ومُعَنعنٍ، ومؤنَّنٍ، ومعلَّقٍ، ومدلَّسٍ، ومُدْرَجٍ، وعالٍ، ونازلٍ، ومُسلسَلٍ، وغريبٍ، وعزيزٍ، ومعلَّلٍ، وفَرْدٍ، وشاذٍّ، ومُنكَرٍ، ومضطربٍ، وموضوعٍ، ومقلوبٍ، ومُركَّبٍ، ومنقلبٍ، ومدبَّجٍ، ومُصحَّفٍ، وناسخٍ، ومنسوخٍ، ومختلفٍ.
فلا يختلفان فيه.
(تنبيه): ينبغي مع معرفة هذا معرفة ألفاظ تدور بين المحدِّثين: وهي الخبر والأثر والسَّند والإسناد والمُسند والمتن والطَّالب والمحدِّث والحافظ والحُجَّة والحاكم.
فأمَّا الخبر فهو لغةً: ضد الإنشاء، واصطلاحًا: قيل: مرادف للحديث بمعناه الاصطلاحيِّ، فيطلقان على المرفوع والموقوف والمقطوع، وقيل: الحديث ما جاء عن النَّبيِّ ﷺ، والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثمَّ قيل لمن يشتغلُ بالحديث محدِّثٌ، وبالتَّواريخ ونحوها أخباري، وقيل: كلُّ حديثٍ خبر ولا عكس.
والأثر في اللغة: بقيَّة الدَّار ونحوها، واصطلاحًا: قيل مرادف للحديث أيضًا، كما قال النَّوويُّ: إنَّ المحدثين يسمّون المرفوع والموقوف بالأثر، ولذا يُسمَّى المحدِّث أثريًّا.
وقال فقهاء خراسان: الخبر هو المرفوع، والأثر الموقوف.
ولعلَّ وجهه أنَّ الأثر هو بقيَّة الشَّيء، والخبر ما يخبر به؛ فلمَّا كان قول الصَّحابيِّ بقيَّة من قول المصطفى ﷺ وكان أصل الأخبار إنَّما هو عنه ﵊ ناسب أن يُسمَّى قول الصَّحابيِّ أثرًا، وقول المصطفى خبرًا.
والسَّند في اللُّغة: المُعتمد من قولهم: فلان سند؛ أي: معتمد، واصطلاحًا: الطَّريق الموصلة إلى المتن؛ أي: الرُّواة الَّذين يتوصَّل بهم إلى الحديث، سمُّوا بذلك؛ لاعتماد الحفَّاظ في صحة الحديث وضعفه عليهم.
والإسناد لغة: مطلق الإخبار، واصطلاحًا: الإخبار عن طريق المتن، فهو مشترك مع السَّند في اعتماد الحفَّاظ في صحَّة الحديث وضعفه عليه، ولذا قال ابن جماعة: المحدِّثون يستعملون السَّند والإسناد لشيء واحد. انتهى.
والمُسْنَد -بفتح النُّون- لغة: اسم مفعول من أسند، واصطلاحًا: ما اتَّصل سنده من راويه إلى النَّبيِّ ﷺ، ويطلق على الكتاب الَّذي جُمِع فيه ما أسنده الصَّحابيُّ؛ -أي: رواه- كمسند أحمد كما سبق، وقد يُطلق ويُراد به الإسناد، فيكون مصدرًا كمُسند الفردوس، فإنَّ الفردوس اسم كتاب للدَّيلميِّ ذكر فيه أحاديث غير مسندة وسمَّاه «الفردوس»، فجاء ولده وألَّف كتابًا جمع فيه أسانيد تلك الأحاديث وسماه: «مسند الفردوس».
والمتن لغة: ما صَلُبَ وارتفع من كلِّ شيء، واصطلاحًا: ما ينتهي إليه السَّند من الكلام، فهو نفس الحديث الَّذي ذُكر الإسناد له، سُمِّي بذلك؛ لأنَّ الشَّخص المُسند يقوِّيه بالسَّند ويرفعه إلى قائله.
والطَّالب: هو مُريد فنِّ الحديث الشَّارع فيه.
والمحدِّث: من عَرف رجال الرِّواية والمرويَّ في الَّذي حدَّث به.
والحافظ: مَنْ حفظ مئة ألف حديث مسندةً وضَبَطها.
والحجَّة: من حفظ ثلاثمئة ألف حديث بأسانيدها.
والحاكم: من أحاط بالسنة.
قوله: (الرَّامَهُرْمُزِي) بتشديد الراء وفتح الميم الأولى وضمِّ الثَّانية مع الهاء وإسكان الرَّاء وكسر الزَّاي، أصلُهُ مركب من رامَ وهُرمز، قال ياقوت في «المعجم»: «الرَّام» بالفارسية معناه المراد والمقصود، «هرمز» أحد الأكاسرة، فمعنى هذه اللفظة مقصود هرمز. انتهى.
والمراد هنا: المنسوب لرامهرمز.
قوله: (المُحَدِّث) بكسر الدَّال المشدَّدة، كما قاله الهرويُّ و (الفاصل) بالصَّاد المهملة وهذا اسم لكتابه؛ لفصله بين الحقِّ والباطل.
قوله: (المَنْهَج المُبْهِج) الأوَّل: بالنُّون السَّاكنة بعد الميم المفتوحة بمعنى الطَّريق، والثَّاني: بالميم المضمومة والموحَّدة السَّاكنة والهاء المكسورة وصفٌ له من البهجة وهي الحُسن؛ أي: المُكْسب قارئه البهجة.
قوله: (المَيَانَجِي) بميم فتحتيَّة فنُون مفتوحات، قال ابن أبي شريف: وجيمه بين الجيم والشِّين، نسبة إلى ميانه بلد بقرب أذربيجان، وأبو جعفر هذا هو عمر بن عبد المجيد، وما ذكره الشَّارح من أنَّ كنيته أبو جعفر هو ما ارتضاه السَّيِّد المرتضى كما رأيته منقولًا عنه، وفي «التَّدريب» أنَّ كنيته أبو حفص، والصَّحيح أنَّ هذا غير ذاك، وأنَّ أبا حفص هذا ليس بالجيم بل بالشِّين.
قوله: (فَعَكَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ)؛ أي: لزموه؛ أي: ما صنَّفه في ذلك وهو كتابه المشهور بـ «علوم الحديث»، جَمَعَ ما تفرَّق في غيره فعكف الناس عليه.
قوله: (أَوْ أَيَّامًا) لم نرَ زيادة ذلك لغيره، ولعل مراده به ما أضيف لزمنه ﷺ صراحةً، فيكون بمعنى قولهم: قول الصَّحابيِّ: كنا نفعل كذا في عهد النَّبيِّ ﷺ في حكم المرفوع، أو لزومًا كقوله: صار كذا يوم استشهد حمزة أو في غزوة بدر ونحو ذلك، لكن لا يخفى أنَّه يغني عنه قوله أو تقريرًا؛ فلينظر.
قوله: (إِلَى مُتَوَاتِرٍ … ) إلى آخره، جملةُ ما سرده الشَّارح تسعة وثلاثون، وفاته كثير ممَّا هو مستعمل مشهور عند أهل الحديث، كالقويِّ والجيِّد والمعروف والمحفوظ والمجوَّد والثَّابت، كما فاته في صفات الرُّواة ما سنبديه إليك في كلٍّ إن شاء الله تعالى