للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الأوّل

في فضيلة أهل الحديث وشرفهم في القديم والحديث

أقول مستمدًّا من الله تعالى الإعانة على التَّوفيق للإيضاح والإبانة: رُوِّينا عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول الله : «نضَّر اللهُ امرءًا سمع مقالتي، فحفظها

فجائزٌ على أبناء جنسك ما تعهده أنت من نفسك، والإنسان محلُّ الخطأ والنِّسيان، وسمَّيتُ هذه الحاشية:

«نيل الأماني في توضيح مقدِّمة القسطلاني»

وعلى الله الاعتماد وإليه الاستناد

قال : (الفصل الأول): يُطلق الفصلُ في اللُّغة على معانٍ منها الحاجز بين الشَّيئين كما في القاموس، والمصنِّفون يترجمون به أثناء الكتب؛ إمَّا لأنَّه نوعٌ من المسائل مفصولٌ عن غيره، أو لأنَّه ترجمةٌ فاصلةٌ بينه وبين غيره فهو بمعنى مفعول أو فاعل.

قوله: (أهل الحديث) سيأتي أنَّه في الاصطلاح: ما أضيف إلى النَّبيِّ قولًا أو فعلًا أو تقريرًا، وبينه وبين الحديث التَّالي الجناس التَّام، ووقع منه في القرآن كثير، وإن قال بعضهم لم يقع منه فيه إلَّا موضعان: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ [الرُّوم: ٥٥]، ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ. يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ﴾ [النُّور: ٤٣ - ٤٤] إذ الأوَّلُ جمعُ «بصرٍ» والثَّاني جمعُ «بصيرةٍ»، فقد بُنيت سورة النَّاس عليه كما بيَّنه المفسرون، ووقع في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ﴾ الآية [آل عمران: ٧٨]، على ما ذكره بعض المفسِّرين من أنَّ المراد بالأوَّل المكتوب في التَّوراة وبالثَّاني نفس التَّوراة وبالثَّالث جنس الكتب الإلهيَّة وغير ذلك كما فصَّلناه في غير ما هنا.

قوله: (في القَدِيْمِ والْحَدِيْثِ)؛ أي: الزَّمن السَّابق واللَّاحق (والإِبَانَةُ) مصدرُ أَبَنْتُهُ، بمعنى أوضحته فهو بمعنى ما قبله. وفي «القاموس»: بَيَّنْتُهُ وتَبَيَّنْتُهُ وأَبَنْتُهُ واسْتَبَنْتُهُ: أوضحْتُهُ وعَرِفْتُهُ فبَانَ، وبَيَّنَ وتَبَيَّنَ وأَبَانَ واسْتَبَانَ كُلُّهَا لازمةٌ ومتعدِّيةٌ، والتِّبْيَانُ، ويفتح: مصدرٌ شاذٌ. انتهى.

فقوله: (لازِمَةٌ ومُتَعَدِّيَةٌ)؛ يعني: أنَّ هذه الأوزان الخمسة تُسْتَعْمَلُ لازمةً ومتعدِّيةً؛ فيُقال: بَانَ الشَّيءُ وبِنْتُهُ، وأَبَانَ الشَّيءَ وأَبَنْتُهُ، وتَبَيَّنَ وتَبَيَّنْتُهُ، وبَيَّنَ الشَّيءَ وبَيَّنْتُهُ، واسْتَبَانَ الشيءَ واسْتَبَنْتُهُ.

وقوله: (والتِّبْيَان، ويفتحٍ مصدرٌ شاذٌ)؛ أي: مصدر لبَيَّنَ وهو بالكسر وفيه الفتحُ، ومجيءُ المصدرِ منهُ على هذا الوزنِ؛ -أي: التِّفعال- بالكسر شاذٌّ؛ فإنَّ المصادر إنَّما تجيء على التَّفْعَال بالفتح، قال في «الصّحاح»: ولم يجئ بالكسر إلَّا التِّبيان والتِّلقاء. انتهى.

وانْحصار تِفعال بالكسر في هذين اللَّفظين به جزم الجماهير من أئمَّة اللُّغة والصَّرف.

قوله: (نَضَّرَ اللهُ امْرءًا) امرؤ مُنَكَّرُ المرءِ؛ فإنَّه إذا دخل عليه الألف واللَّام سقطت الهمزة الَّتي كانت في أوله قبل دخولهما، قال ابن الطَّيّب: لأنَّ ألف الوصل إنَّما تدخل في (مرء) و (مرأة) إذا كانتا نَكِرَتين، وسُكِّن أوَّلهما من أجل حركة الإتْباع عند اجتماع السَّاكنين، وإذا عُرِّفَا بالألف واللَّام رُدَّا إلى الأصل فحُرِّك أوَّلُهُمَا واستُغني عن ألف الوصل فيهما وسقطت حركة الإتْباع من وَسَطِهِما؛ لذهابِ السَّاكنين كما يُفعل بالبنين والبنات، قال ابن دَرَسْتُوَيه: هكذا الاستعمال في المرء والمرأة؛ لأنَّهما اسمان صحيحان، فأمَّا سائر الأسماء الَّتي في أوَّلها ألف الوصل كابن وابنة فإنَّ التَّعريف يدخل عليها مع تسكين أوَّلها؛ لأنَّها معتلَّةٌ محذوفة الأواخر. انتهى.

قال القزَّاز: ومن العرب من يقول هذا الامرء الصَّالح، وهذه الامرأة. انتهى.

ثمَّ هو لا يُطلق على الأنثى إلَّا مجازًا، وما نقله ابن الأعرابيِّ أنَّه يُقال للأنثى «امرؤ» صريح بغرابته ونُدرته في «المُحكم» وغيره، ولا يجمع من لفظه لا جمعَ سلامة ولا جمع تكسير، وإنَّما يُثَنَّى فيقال: «مرآن» بإسقاط الألف أوَّله كما نبَّه عليه الجوهريُّ، وقال في «الفصيح»: وتقول: هو امرؤ وامرآن وقوم وامرأة ونسوة، قال شرَّاحه: يعني: أنَّ امرأً وامرأةً لا يُجمعان بلفظهما ولكن يستغنى عن ذلك بقوم ونسوةٍ، وهكذا استعمال العرب وهو خلاف القياس؛ لأنَّ امرأً وامرأةً اسمان بمنزلة ابن وابنة أولهما مسكن وألف الوصل داخل عليهما ومع ذلك جمعوهما على لفظهما فقالوا: أبناء وبنون ولكن تُرِك القياس فيهما. انتهى.

وقيل: سُمع جمع «المرء» على «مرؤون»؛ إلحاقًا له بجمع المذكَّر السَّالم، كأنَّهم اعتبروا فيه معنى الوصفيَّة بالمروءة من قال ذلك قال في المرأة أيضًا: «مَرَات» بحذف ألف الوصل وفتح الميم على الأصل، وقيل: في «المرأة» أيضًا «مَرَة» بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الرَّاء، والامرأة بدخول (ال) على امرأة المقرون بهمزة الوصل لكنَّها لغة ضعيفة، ومَرْأَةٌ كفتاةٌ كما في «إصلاح المنطق» وامراةٌ بألف بعد الرَّاء غير مهموز كما في «شرح الفصيح».

وإذا صُغِّرَ المرء والمرأة سقطت منهما ألف الوصل فقيل مُرَيْء ومريئة، قال الشَّاعر:

تَعَرَّضَتْ مُرَيْئَةُ الحَيَّاكِ … لناشئٍ دَمَكْمَكٍ نَيَّاكِ

والنسبة إليه «مَرَئي» بفتح الراء -كما قاله الجوهريّ- وكذا النِّسبة إلى امرئ القيس ممن لُقِّبَ بذلك من الصَّحابة والشُّعراء جميعًا إلَّا ابن حُجْر الملك الضَّليل الشَّاعر الشَّهير فالنسبة إليه مرقسيّ كما نصَّ عليه في «القاموس» في باب

<<  <   >  >>