أو أجزتُ فلانًا الفلانيَّ جميع فِهرسْتِي ونحوه، أو أجزته بجميع مسموعاتي أو مرويَّاتي، أو أجزت للمسلمين، أو لمن أدرك حياتي، أو لأهل الإقليم الفلانيِّ ويقول المحدِّث بها: أنبأنا أو أنبأني.
ثمَّ المكاتبة: بأن يكتب مسموعه أو مقروءه جميعه أو بعضه، لغائبٍ أو حاضرٍ، بخطِّه أو بإذنه، مقرونًا ذلك بالإجازة أو لا.
مروياتي، قال صاحب «تثقيف اللسان»: الصوابُ أنَّها بالمثناة الفوقية وقوفًا وإدماجًا، وربما وقف عليها بعضهم بالهاء وهو خطأ.
قوله: (أَوْ أَجَزْتُهُ)؛ أي: فلانًا، ومثله: (أجزتك) أو (أجزتكم) فهذا هو النوع الثاني؛ -أعني: الإجازة لمعيَّن بغير معيَّن- والجمهور على جواز الرواية بها، موجبين العمل بما رُوي بها بشرطه.
قوله: (أَوْ أَجَزْتُ لِلْمُسْلِمِيْنَ) هذا هو النوع الثالث، وهو الإجازة لغير معين بوصف العموم، ومنه أجزتُ أهل زماني أو كلَّ واحدٍ، وقد جوَّزَ الرواية بذلك الخطيب وغيره، وصححه النووي في «الروضة» لكنَّ الأحوطَ ترك الرواية بها، قال شيخ الإسلام: إلَّا أنَّ الرواية بها في الجملة أَوْلَى من إيرادِ الحديث مُعْضَلًا. انتهى.
واستدل لها بحديث: «بَلِّغُوا عَنِّي»، فإنْ قَيَّدَهَا بوصفٍ خاصٍ كأجزتُ طلبةَ العلمِ ببلدِ كذا، أو مَنْ أدرك حياتي، أو مَنْ قرأ علي قبل هذا، فقال عياض: ما أظنهم اختلفوا في جواز ذلك؛ لأنَّه محصور بوصفٍ كقوله: لأولاد فلان أو إخوة فلان.
والرابع من أنواع الإجازة: الإجازةُ لمعيَّن بمجهول من الكتب، كأجزتك بعض مسموعاتي.
الخامسة: عكسه، كأجزتُ لمحمد بن أحمد البخاري مثلًا، وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم.
ولم يتضح مراده في الصورتين وهما باطلان، نعم إن اتضحَ بقرينةٍ صحت الإجازةُ، وإذا قال: أجزتُ لمن يشاء فلان، ففيه جهالة وتعليق، فقيل: لا يصح كما لو قال: أجزتُ لبعض الناس قياسًا على تعليق الوكالة، وقيل: يصحُّ؛ لأنَّ الجهالة ترتفع عند وجود المشيئة ويتعين المجاز له بها، واحتج له بقوله ﷺ لما أمَّر زيدًا على غزوة مؤتة: «فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَابْنُ رَوَاحَةَ»، فعلَّقَ التأمير، وفرَّق الدَّامَغَاني بينها وبين الوكالة بأنَّ الوكيل ينعزل بعزل الموكِّل بخلاف المجاز.
السادسة: الإجازة للمعدوم، كأجزتُ لمن يولد لفلان، وأجازها الخطيب قياسًا على إجازة بعض الأئمة الوقف على المعدوم، والصحيح بطلانها؛ لأنَّ الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له، فإن عَطَفَهُ على موجود كأجزتُ لفلان ومَن يولد له، أو لك ولعَقِبك ما تناسلوا جاز قياسًا على الوقف.
وأما الإجازة للطفل فتجوز للمميز قطعًا ولغيره على الصحيح؛ لأنها إباحة المجيز للمجاز أن يروي عنه بعد الأهلية لبقاء الإسناد، والإباحة تصح للعاقل وغيره، وكذا للفاسق والمبتدع، ويؤدون إذا زال المانع.
وأما الحمل فالذي استظهره أبو زُرعة أنها بعد نفخ الروح فيه تصح، وقبلها مرتبة متوسطة بينها وبين الإجازة للمعدوم فهي أولى بالمنع من الأولى، وبالجواز من الثانية.
السابعة: إجازة ما لم يتحمله المجيز بوجه من سماع أو إجازة ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز، والأصح بطلانها؛ لأنَّها إعطاء لما لم يأخذه، ولأنَّه لا حصر لما لم يروه بخلاف ما رواه فإنَّه دخل في دائرة حصر العلم، فعلى هذا يتعين على مَن أراد أن يرويَ عن شيخٍ أجاز له جميع مسموعاته أن يبحث حتى يعلم أنَّ هذا مما تحمَّله شيخه قبل الإجازة له، وأما قوله: أجزتُ لك ما صحَّ وما يصح عندك من مسموعاتي فصحيحٌ تجوزُ الرواية به لما صحَّ عنده سماعه له قبل الإجازة.
الثامنة: إجازة المجاز به، كأجزتك مجازاتي أو جميع ما أجيز لي روايته، والصحيح جوازها، وعليه العمل، وينبغي للراوي بها تأملها؛ أي: تأمل كيفية إجازة شيخ شيخه لشيخه؛ لئلا يروي بها ما لم يدخل تحتها.
قوله: (وَيَقُوْلُ المُحَدِّثُ بِهَا … ) إلى آخره؛ أي: كما اصطلحَ عليه المتأخرونَ، ومنعوا أن يقال: (حدَّثنا) أو (أخبرنا) في شيءٍ من أنواع الإجازة، وجَوَّزَ الزُّهري ومالك وغيرهما إطلاق (حدَّثنا) و (أخبرنا) في الإجازة بالمناولة، وبعضهم في الإجازة المجردة أيضًا، والصحيح المنع وأنها تخصص بعبارة تبين الواقع كـ (حدَّثنا أو أخبرنا إجازة أو مناولة)، وقد اصطلحَ المتأخرونَ على ما ذكره الشارح، ثم المنع من إطلاق (حدَّثنا وأخبرنا) فيما ذُكر لا يزول بإباحة المجيز ذلك؛ لأنَّ إباحة الشيخ لا يغير بها الممنوع في المصطلح، ذكره النووي.
قوله: (ثُمَّ المُكَاتَبَةُ) هذا هو القسم الخامس من أقسام التَّحَمُّلِ.
قوله: (مَقْرُوْنًا ذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ أَو لا)؛ أي: فهي ضربان: فالمقرون بالإجازة، كـ (أجزتك ما كتبت لك) أو (ما كتبت به إليك) ونحوه، وهي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة بالإجازة. وأما المجردة عن الإجازة فمنعَ الرواية بها قومٌ منهم الماوردي في «الحاوي» وأجازها الجمهور، وهو الصحيح المشهور بين أهل الحديث؛ إذ يوجد في مصنفاتهم كثيرًا: (كتب إليَّ فلان قال: حدَّثنا … ) إلى آخره، والمرادُ به هذا، وهو معمولٌ به عندهم معدودٌ في الموصول لا المنقطع، بل قال السّمْعاني: هي أقوى من الإجازة، قال النووي: وهو المختارُ بل وأقوى من أكثر صور المناولة. وفي «صحيح البخاري» في «الأيمان والنذور»: كتب إليَّ محمد بن بشار … إلى آخره،