للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: قرأتُ على فلانٍ، وإلَّا؛ قال: قُرِئَ على فلانٍ وأنا أسمع. ثمَّ الإجازة المقرونة بالمُناوَلَة: بأن يدفع إليه الشَّيخُ أصلَ سماعه أو فرعًا مُقابَلًا عليه، ويقول: هذا سماعي أو روايتي عن فلانٍ، فاروهِ عني، أو أجزت لك روايته.

ثمَّ الإجازة؛ وهي أنواعٌ؛ أعلاها: لمعيَّنٍ، كـ (أجزتُك البخاريَّ) مثلًا،

هذه أحاديثُ سمعتها من رسول الله وكتبتها وعرضتها. انتهى.

ثُمَّ هيَ كما علمتَ ضربان:

الأولى: المناولةُ المقرونةُ بالإجازةِ: وهي أعلى أنواع الإجازة مطلقًا، وأعلى صورها كما صَرَّحَ عياض وغيره، ومنه أن يدفعَ الطالب إلى الشيخ سماعه؛ -أي: سماع الشيخ أصلًا أو فرعًا مقابَلًا به- فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ، ثم يناوله للطالب ويقول له: (هو حديثي أو روايتي عن فلان أو عمَّن ذُكر فيه فاروه عني أو أجزت لك روايته) وهذا سمَّاه غير واحدٍ من أئمة الحديث (عَرْضًا) فهذا عرض المناولة، وما سبق عرضُ القراءة.

قال النووي: وهذه المناولةُ مُنْحَطَّةٌ عن السماع والقراءة على ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي والمزني وأحمد ابن حنبل وإسحاق بن رَاهُوْيَه، وروي عن مالك.

قال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا، وإليه نذهب وهو الصحيح، وذهب جماعة كثيرون إلى أنَّها كالسماع في القوة والرتبة، بل نقل ابن الأثير أن بعض أصحاب الحديث جعلها أرفعَ من السماع؛ لأنَّ الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه فوق الثقة بالسماع منه وأثبت، لما يدخل من الوهم على السامع والمستمع.

ومن صور هذا الضرب أن يُناول الشيخُ الطالبَ سماعه ويجيزهُ ثم يُمسكه الشيخ عنده ولا يُبقيه عند الطالب، وهذه دون ما سبقَ لغيبة ما تحمَّله الطالبُ عنه، ويجوزُ روايته عنه إذا وجدَ ذلك الكتاب المناوَلَ له مع غلبة ظنه بسلامته من التغيير، أو وَجَدَ فرعًا مقابلًا به موثوقًا بموافقته ما تناولته الإجازة.

وهذه المناولة في مرتبة الإجازة لمُعيَّن من الكتب الخالية عن المناولة، وستأتي على الصحيح، وبعضهم يجعلُ لها مزيَّةً عليها، ومنها أن يأتيه الطالب بكتابٍ ويقول له: هذا روايتك فناولنيه وأجزني روايته. فيجيبه من غير نظر فيه ولا تحقيق لروايته له فهذا باطل، إلَّا أن يثق بخبرِ الطالب ومعرفته وهو ممَّن يعتمد مثله فتصحُّ الإجازة والمناولة، أو يتبين ولو بعد الإجازة أن ذلك من مروياته فيتبين صحة الإجازة كما استظهره العراقي.

الضرب الثاني: المناولةُ المجردةُ عن الإجازةِ بأنْ يُنَاوله الكتاب كما تقدَّمَ مُقتصرًا على قوله: (هذا سماعي أو من حديثي) ولا يقول له: (اروه عني) ولا (أجزتك) فلا تجوز الرواية بها على الصحيح عند الفقهاء والأصوليين، وذهب جماعة من أهل الحديث إلى جوازها، قال ابن الصلاح: وعندي أن يُقال: إن كانت المناولة جوابًا لسؤالٍ، كأن قال له: ناولني هذا الكتاب لأرويهُ عنك فناوله ولم يُصرِّحْ بالإذن صحتْ، وجازَ لهُ أن يرويه، وكذا إذا قال: حدَّثني بما سمعت من فلان، فقال: هذا سماعي منه، كما وقع من أنس فتصحُّ أيضًا، وما عدا ذلك فلا.

قوله: (عَنْ فُلَانٍ)؛ أي: ويُسميه، وكذا إن لم يُسمه ولكن اسمه مذكور في الكتاب المناول.

قوله: (ثُمَّ الإِجَازَةُ) هي القسم الرابع من أقسام التحمل، وهي مُشتقة من التَّجوز، وهو التعدي فكأنَّ الشيخَ عَدَّى روايتهُ حتى أوصلها للراوي، كما ذكره الشارح في «المنهج»، فعليه إذا قال: (أَجزتُ فلانًا كذا) فهو بمعنى: أجزت له.

قال الشُّمُنيِّ: وهي في الاصطلاح إذنٌ في الرواية لفظًا أو خطًّا، يفيد الإخبار الإجمالي عُرفًا، وأركانها أربعةٌ: المُجيز، والمُجاز، والمجاز به، ولفظ الإجازة.

قوله: (وَهِيَ أَنْوَاعٌ)؛ أي: ثمانية: إجازة لمُعيَّن بمُعيَّن، إجازة لمُعيَّن بغير مُعيَّن، إجازة لغير مُعيَّن بوصف العموم، إجازة لمُعيَّن بمجهول من الكتاب، إجازة لمجهول من الناس بمُعيَّن من الكتب، إجازة للمعدوم، إجازة ما لم يتحمله المجيز، إجازة المجاز.

وقد ذكرَ الشارحُ من ذلك ثلاثةً بالأمثلة وجعلها كلها من قبيل الإجازة لمُعيَّن كما سيتضحُ وستعرف البقيةَ.

قوله: (أَعْلَاهَا)؛ أي: أنواع الإجازة، والمراد أنواع الإجازة المجردة عن المناولة كما ذكره النووي.

قوله: (لِمُعَيَّنٍ) تحته نوعان أدمجهما الشارح في كلامه: إجازة بمعين، وأشار له بقوله: كـ (أجزتك البخاري)، وإجازة بغير معين، وأشار له بالمثالين بعده، ثم أدخل في هذا النوع ما ليس منه هو قوله (أَوْ أَجَزْتُ لِلْمُسْلِمِيْنَ … ) إلى آخره، إذ هذا ليس لمعيَّنٍ كما لا يخفى، بل نوعٌ آخر وهو الإجازة لغير معيَّن، ففي كلامه من التَّسَاهُلِ ما لا يخفى.

والحق أنَّ الإجازة دون العرض، وقيل: أفضل منه مطلقًا، وقيل: هما سواء، والصحيح الذي قاله الجمهور جواز الرواية والعمل بها؛ أي: بالمروي بها، ومنع بعضهم الرواية بها كشُعبة قال: لو جازت لبَطَلت الرحلةُ، وهو إحدى الروايتين عن مالك والشافعي وأبي حنيفة، وقال بعض الظاهرية: لا يعمل بها كالمرسل، وهو باطل؛ لأنَّه ليس فيها ما يقدح في اتصالِ المنقولِ بها.

قوله: (كَأَجَزْتُكَ)؛ أي: أو أجزتكم.

قوله: (فِهْرِسْتِي) بكسر الفاء والراء وسكون السين المهملة آخره مثناة فوقية، لفظة فارسية معناها جملة العدد للكتب، فالمرادُ جُملة عدد

<<  <   >  >>