للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رشيقٌ أنيقٌ كثيرُ الشُّعبْ

سما عزُّه فوق نجم السَّماء … فكلُّ جميلٍ به يُجتلَبْ

سناءٌ منيرٌ كضوء الضُّحى … ومتنٌ مزيحٌ لشوب الرِّيَبْ

كأنَّ البخاريَّ في جمعه … تلقَّى من المُصطفَى ما اكتتبْ

فللَّه خاطره إذ وعى … وساق فرائده وانتخبْ

جزاه الإله بما يرتضي … وبلَّغه عالياتِ القربْ

ولأبي عامرٍ الفضل بن إسماعيل الجرجانيِّ الأديب رحمه الله تعالى:

صحيح البخاريِّ لو أنصفوهُ … لمَا خُطَّ إلَّا بماء الذَّهبْ

هو الفرق بين الهدى والعمى … هو السَّدُّ دون العنا والعطبْ

أسانيدُ مثلُ نجومِ السَّماءِ … أمامَ متونٍ كمثل الشُّهُبْ

بهِ قام ميزانُ دينِ النَّبي … ودان له العُجْمُ بعد العربْ

حجابٌ من النَّار لا شكَّ فيه … يميِّز بين الرِّضا والغضبْ

وخير رفيق إلى المُصطفَى … ونورٌ مبينٌ لكشف الرِّيَبْ

فيا عالمًا أجمع العالمون … على فضل رتبته في الرُّتبْ

سبقْتَ الأئمَّة فيما جمعتَ … وفزت على رغمهم بالقَصَبْ

نفيتَ السَّقيم من الغافلينَ … ومن كان مُتَّهمًا بالكذبْ

وأثبتَّ من عدّلتْه الرواةُ … وصحّتْ روايته في الكتبْ

وأبرزتَ في حسن ترتيبه … وتبويبه عجبًا للعجبْ

فأعطاك ربُّك ما تشتهيه … وأجزل حظَّك فيما يَهَبْ

وخصَّك في عَرَصات الجنان … بخيرٍ يدوم ولا يقتضبْ

فلله دَرُّه من تأليفٍ رفع عَلَم علمه بمعارف معرفته، وتسلسل حديثه بهذا الجامع، فَأَكْرِمْ بسنده العالي ورفعته، انتصب لرفع بيوتٍ أذن الله أن تُرفَع، فيا له من تصنيفٍ تسجد له جباه التَّصانيف -إذا تُلِيَتْ آياته- وتركع، هَتَكَ بأنوار مصابيحه المشرقة من المشكلات كلَّ مظلمٍ، واستمدَّت جداول العلماء من ينابيع أحاديثه التي ما شكَّ في صحَّتها مسلمٌ، فهو قطب سماء الجوامع، ومطالع الأنوار اللَّوامع، فالله تعالى يبوِّئ مؤلِّفه في الجنان منازلَ مرفوعةً، ويكرمه بصِلَاتٍ عائدةٍ غير مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ.

الفصل الخامس

في ذكر نسب البخاريِّ، ونسبته،

نُخبة من النخب، أو زائدة، والمراد: نخبة النُّخَب؛ أي: خيار الخيار.

قوله: (رَشِيْقٌ) من رشُقَ الشخص بالضم رَشَاقة: خفَّ في عمله، ومَن كان كذلك كان لطيفًا مألوفًا، وهذا هو المعنى المراد بطريق التشبيه أو التصريحية.

وقوله: (أَنِيْقٌ) بالهمزة والنون كعَجيب وزنًا ومعنى، كما في «المصباح».

وقوله: (كَثِيْرُ الشُّعَبْ) بضم الشين المعجمة، جمع شُعبة، وهي من الشجرة؛ الغصن المتفرع منها، ففيه تشبيه بالشجرة وأغصانها بجامعِ التفرع والانتفاع.

قوله: (سَمَا عِزُّهُ)؛ أي: ارتفع.

وقوله: (فكلُّ جميلٍ)؛ أي: من أمور الدين والدنيا و (يُجْتَلَبْ) بالجيم؛ أي: يُجْلَب.

قوله: (سِنَادٌ) بكسر السين، آخره دال مهملة؛ أي: سند منير … إلى آخره.

وقوله: (وَمَتْنٌ مُزِيْحٌ)؛ أي: مزيلٌ، و (الشَّوْبُ) بالمعجمة: الاختلاط، و (الرِّيَبْ) جمع ريبةٍ: وهي الشك والشُبهة.

قوله: (خَاطِرُهُ)؛ أي: عَقْلُهُ.

وقوله: (إِذْ وَعَى)؛ أي: حفظ.

قوله: (عَالِيَاتِ القُرَبِ) بالضم جمع قُربة، وإضافة عاليات إليه توصيفية.

قوله: (وَالعَمَى)؛ أي: الضلالُ الشبيه بالعمى في عدم الاهتداء إلى المقصود.

وقوله: (هُوَ السَّدُ بَيْنَ العَنَاءِ) بالعين المهملة؛ أي: التعب.

وقوله: (وَالعَطَب) بالمهملة أيضًا محرَّكًا: الهلاك، والمعنى هو الحاجز بين هذين، وضدهما من الراحة والنجاة.

قوله: (كَمِثْلِ الشُّهُب) فيه من عيوبِ القافية: سِنَادُ التَّوجيه؛ وهو اختلاف حركة ما قبل الروي المُقيد وهو كثيرٌ في هذه الأبيات، وليس بممتنع للمولدين.

قوله: (وَدَانَ لَهُ)؛ أي: انقادَ، و (العُجْمُ) بضم العين وسكون الجيم كالعَجَم بفتحتين مقابلُ العرب.

قوله: (يُمَيِّزُ بَيْنَ الرِّضَا وَالغَضَب)؛ أي: بينَ ما ينبغي فيه كل منهما شرعًا.

قوله: (بِالقَصَب) بفتح القاف والصاد، أصله الذي يتخذ منه الأقلام، وكان العرب ينصبون في حلبة السباق؛ أي: الميدان الذي يتسابقون فيه قَصَبَةً فمن سبق اقتلعها وأخذها ليعلم أنَّه السابق من غير نزاعٍ، فلذا يقال: فلان أحرزَ؛ أي: حازَ قَصَبَ السَّبْقِ، ثم كثر حتى أطلق على المُبرِّز والمشمِّر، كما في «المصباح».

قوله: (نَفَيْتَ السَّقِيْمَ … ) إلى آخره؛ أي: ميزتَ السَّقيم من الأحاديث ونفيته وأبعدته عمَّن ينقل الأحاديث وانتقيت له الصحيح، أو نفيتَ الشخص السقيم من الناقلين للحديث ولم ترو عنه شيئًا، وأثبتَّ العدول الثقاة الذين عَدَّلَهُم الحفاظُ … إلى آخره.

قوله: (عَجَبًا لِلْعَجَب) بمعنى أنَّه لو كان العجبُ شخصًا لعُجِبَ من ذلكَ.

قوله: (عَرَصَاتِ) بالتحريك جمع عَرَصَة، وهي: البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء، وفي «التهذيب»: سُميت ساحةُ الدارِ عَرَصَةً؛ لأنَّ الصبيان يَعْرِصُون فيها، أي: يلعبون ويمرحون.

(الفصل الخامس)

قوله: (فِيْ ذِكْرِ نَسَبِ البُخَارِي)؛ أي: وصلته بالقرابة؛ المراد ذكر آبائه، في «المصباح»: نسبتُه إلى أبيه نَسَبًا من باب طَلَبَ: عزوته إليه، وانتسب إليه اعتزى، والاسم النِّسبة بالكسر، فتجمع على نِسَبٍ مثل سِدرة وسِدَر، وقد تضم فتُجمع مثل غُرفة وغُرف.

قال ابن السِّكِّيتِ: ويكون من قِبل الأب ومن قِبل الأم، ويُقال: نسبه في تميم؛ أي: هو منهم والجمع أنساب، مثل سبب وأسباب، ثم قال: ثم استُعْمِلَ النَّسَب -وهو المصدر- في مطلق الوصلة بالقرابة، فيُقال: بينهما نَسَبٌ؛ أي: قرابةٌ، وسواءٌ جاز بينهما التناكح أو لا، ومن هنا اسْتُعيرت النسبة في المقادير؛ لأنها وصلةٌ على وجه مخصوص، فقالوا: تؤخذ الديون من التركة والزكاة من الأنواع بنسبة الحاصل؛ أي: بحسابه ومقداره ونسبة العشرة إلى المئة العُشر؛ أي: مقدارها العشر، والمناسب القريب وبينهما مناسبة، وهذا يناسب هذا؛ أي: يقاربه شَبهًا. انتهى.

قوله: (وَنِسْبَتِهِ)؛ أي: انتسابه إلى بلده مثلًا، ويُنسب الشيء إلى ما يوضحه ويميزه من أبٍ وأم وحي وقبيلة وبلدة وصناعة وغير ذلك، فيؤتى فيه بالياء، فيقال مكيٌّ وعلويٌّ وتركيٌّ، وتقدم أنَّ الأنسب تقديم القبيلة على البلد، فيُقال: القرشي المكي، وذلك؛ لأنَّ النسبة إلى الأب صفة ذاتية ولا كذلك النسبة إلى البلد فكان الذاتي أولى، وقيل: لأنَّ العربَ إنَّما كانتْ تَنتسب إلى القبائل ولكن لما سكنت الأرياف والمدن استعارت من العجم والنَّبَط الانتساب إلى البلدان،

<<  <   >  >>