للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأى بعض مشايخنا الاقتصار في ضبط «البخاريِّ» على روايةٍ واحدةٍ، لا كما يفعله من ينسخ «البخاريَّ» من نسخة الحافظ شرف الدِّين اليونينيِّ؛ لما يقع في ذلك من الخلط الفاحش بسبب عدم التَّمييز، ويتأكَّد ضبط الملتبس من الأسماء؛ لأنَّه نقلٌ محضٌ لا مدخل للأفهام فيه؛ كَبُريد -بضمِّ الموحَّدة- فإنَّه يشتبه بيزيد بالتَّحتيِّة، فضبط ذلك أَوْلى؛ لأنَّه ليس قبله ولا بعده شيءٌ يدلُّ عليه، ولا مدخل للقياس فيه، وليُقابِل ما يكتبه بأصل شيخه، أو بأصل أصل شيخه المُقابَل به أصل شيخه، أو فرعٍ مُقابَلٍ بأصل السَّماع، وليُعْنَ بالتَّصحيح

ذَكَاةُ أُمِّهِ» فاستدلَّ بهِ الجمهور على أنَّه لا تجب ذكاة الجنين بناء على رفع ذكاة أمه، ورجح الحنفية الفتح على التشبيه، أي: يُذكَّى مثل ذكاة أمه.

تنبيهٌ: يُكرهُ تدقيقُ الخطِّ؛ لأنَّه لا ينتفع به مَن في نظرهِ ضعفٌ، إلَّا من عُذْرٍ، كضيقِ وَرَقٍ أو تخفيفٍ لحِمْلٍ في سفرٍ.

ولا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابه برمزٍ لا يعرفه الناس فيوقعُ غيره في حيرة في فهم مراده؛ فإنْ فعل ذلك فليبين أوَّل الكتاب أو آخره مراده، قال النووي كابن الصلاح: وينبغي أن يجعلَ بين كلِّ حديثين دائرةً للفصل بينهما، كما نُقل ذلك عن جماعات كأحمد ابن حنبل وابن جرير. ويُكره في مثل عبد الله وعبد الرحمن بن فلان وكل اسم مضاف إلى الله كتابة عبد آخر السطر واسم الله مع أن فلان أول الآخر، بل أوجب اجتناب مثل ذلك الخطيب وابن بطة، وكذا يُكره في رسول الله أن يكتب رسول آخره والله أوَّله. انتهى.

قال الجلال: وكذا كلُّ ما أشبه ذلك من المُوْهمات المستبشعات؛ كأنْ يكتب (قاتلُ) من قوله: «قاتل ابن صفية في النار» في آخر السطر، وابن صفية في أوله، أو يكتب: (فقال) من قوله في حديث شَارِبِ الْخَمْرِ: (فَقَالَ عُمَرُ: أَخْزَاهُ الله) آخره، وعمر وما بعده أوَّله، ولا يُكره فصلُ المتضايفين إذا لم يكن مثل ذلك: كسبحان الله العظيم مع أن جمعهما في سطر أولى. انتهى.

وينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والسلام على رسول الله كلما ذُكر ولا يَسْأَمَ تكراره، ولا يتقيد فيه بما في الأصل إن كان ناقصًا بل يكتبهُ ويتلفظُ به عند القراءة مطلقًا؛ لأنَّه دعاء لا كلامٌ يرويه، وإنْ قال بعضهم ينبغي أن تُتبع الأصول والروايات، وعليه جرى الإمام أحمد فكان يُصلي نطقًا لا خطًّا، وكذا ينبغي المحافظة على الثناء على الله تعالى كـ ﷿، والترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر الأخيار، ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم في كل موضعٍ شُرعت فيه الصلاة، كما في «شرح مسلم» وغيره، قال حمزة الكناني: كنت أكتبُ عند ذكر النَّبيِّ الصلاة دون السلام، فرأيت النبي في المنام يقول لي: ما لك لا تتم الصلاة عليَّ؟! ويُكره الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين كمَنْ يكتب (صلعم)، ويقال: إنَّ أولَّ من رمزها بـ (صلعم) قُطعت يده.

قوله: (عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ)؛ أي: بأن يضبطَ ألفاظه على ما رواه اليونيني فقط، أو الإسماعيلي فقط، أو الكشميهني فقط، أو غيرهم ممن أخذ عن البخاري، وما ذكرهُ الشارح من أنَّ بعضَ مشايخه رأى ذلك مأخوذ من كلام ابن الصلاح والنووي إذ قال: ينبغي أن يعتني بضبط مختلف الروايات وتمييزها، فيجعل كتابه على رواية واحدة، ثم ما كان في غيرها من زياداتٍ ألحقها في الحاشية، أو نقصٍ علَّمَ عليه، أو خلاف كَتَبَهُ مُعيِّنًا في كل ذلك مَن راويه بتمامِ اسمه لا رامزًا له بحرفٍ أو حرفين من اسمه.

قوله: (وَيَتَأَكَّدُ ضَبْطُ المُلْتَبِسِ … ) إلى آخره، ذكر أبو علي الغساني أن عبد الله بن إدريس قال: لما حدَّثني شُعبة بحديث أبي الحَوراء عن الحسن بن علي كتبت تحته ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: ٢٢] لئلا أغلطَ فأقرأهُ أبو الجوزاء بالجيم والزاي. انتهى.

قوله: (وَلْيُقَابِلْ مَا يَكْتُبُهُ … ) إلى آخره؛ أي: وجوبًا كما قاله القاضي عياض، وإن أجازهُ الشيخ، روى ابن عبد البر وغيره عن يحيى بن أبي كثير والأوزاعي قالا: ومن كتبَ ولم يعرضْ كان كمن دخل الخلاء ولم يستنجِ.

وقال عُروة بن الزبير لابنه هشام: كتبتَ؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ قال: لا، قال: لم تكتب.

وفي المسألة حديث ذكره السّمْعاني في «الإملاء» من حديث عطاء بن يسار قال: كَتَبَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِي فَقَالَ لَهُ: «كَتَبْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «عَرَضْتَ؟» قَالَ: لَاْ، قَالَ: «لَمْ تَكْتُبْ، حَتَّى تَعْرِضَهُ فيَصِحُّ».

قال أبو الفضل الجارودي: أصدقُ المعارضة مع نفسك. انتهى.

قال ابن الصلاح: وهو مذهبٌ متروك، وأفضلها أن يمسك هو وشيخه كتابيهما حال التسميع، وما لم يكن كذلك فهو أنقص رتبة، ولا يُشترط في روايته ذلك نظره ولا مقابلته بنفسه بل يكفي مقابلة ثقةٍ لهُ؛ أي: وقت كان حالَ القراءة وبعدها.

قوله: (أَوْ فَرْعٍ مُقَابَلٍ … ) إلى آخره؛ أي: لأنَّ الغرض مطابقة كتابه لأصل شيخه فسواء حصل ذلك بواسطة أو غيرها فإن لم يقابل كتابه بالأصل ونحوه فجزم عياض بمنع الرواية منه مطلقًا، وأجازها أبو إسحاق الإسفرايني وآباء بكر: الإسماعيلي والبُرقاني والخطيب، بشروطٍ ثلاثة: أن يكون الناقلُ للنسخة صحيح النقل قليل السقطْ، وأن ينقل من الأصل، وأن يبين حال الرواية أنَّه لم يُقابل، ولا يكفي السماع على الشيخ من أي نسخة اتفقت.

قوله: (وَلْيُعْنَ بِالتَّصْحِيْحِ) في «المُختار» (عُنِيَ بحاجته يُعنى بها -على ما لم يُسم فاعله- عِنَايَةً، فهو بها مَعْنِيٌّ، على مفعول، وإذا أمرت منه قلت: لتُعن

<<  <   >  >>