مُجمَعٍ عليها، أي: إسناده ضعيف (١)، لا أنَّه مقطوعٌ به في نفس الأمر؛ لجواز خطأ الضَّابط الثِّقة ونسيانه، نعم؛ يُقطَع به إذا تواتر، فإن لم يتَّصل بأن حُذِف من أوَّل سنده أو جميعه لا وسطه؛ فمعلَّقٌ، وهو في «صحيح البخاريِّ» يكون مرفوعًا وموقوفًا، يأتي البحث فيه -إن شاء الله تعالى- في الفصل التَّالي، والمختار: لا يُجزم في سندٍ بأنَّه أصحُّ الأسانيد مطلقًا غير مقيَّدٍ بصحابيِّ تلك التَّرجمة لعسر الإطلاق؛ إذ يتوقَّف على وجود درجات القبول في كلِّ فردٍ فردٍ من رواة السَّند المحكوم له، فإن قُيِّد بصاحبها ساغ فيُقال مثلًا: أصحُّ
فصار يُرسل كلَّ واحد إلى قبيلته، وكانت الحجَّة قائمة بإخباره عنه، وقد استدلَّ البيهقيُّ على ثبوت الخبر بالواحد بحديث «نضَّر الله امرأ سمع مقالتي» الحديثَ، وبحديث «بَيْنَمَا النَّاس في صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ أَتَاهُمْ آتٍ فقال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قد أُنْزِلَ عليه اللَّيْلَةَ قُرْآن وقد أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلى الشَّأم فَاسْتَدَارُوا إلى الْقِبْلَةِ الكعبة» [خ¦٤٤٩٤]، قال الشَّافعيُّ: فقد تركوا قبلة كانوا عليها بخبر واحد ولم يُنكر عليهم ﷺ وغير ذلك.
قوله: (مُجْمَعٍ عَلَيْهَا) خرجَ ما اخْتُلف فيه كإرسال ما وَصَلَهُ الثِّقة الضَّابط فإنَّ ذلك لا يقدح في صحَّة الحديث، لكنَّ بعضهم سمَّى ذلك علَّةً وإن كانت غير قادحة كما سلفَ بل شدَّدَ بعضهم فردَّ بكلِّ علَّةٍ ولو غير قادحة.
قوله: (أَيْ: إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ) (١) كذا في النُّسخ وهو بيان للمراد من الصَّحيح وفيه سقطٌ لا بدَّ منه
وهو لفظ ليس، والأصل؛ أي: ليس إسناده ضعيفًا؛ أي: أنَّ معنى كون الحديث صحيحًا أنَّ إسناده ليس بضعيف بقانون الصِّناعة الحديثيَّة، وإن كان قد يكون غير صحيح في نفس الأمر كما قال الشَّارح: لا أنَّه مقطوع به … إلى آخره.
قوله: (لا أَنَّهُ مَقْطُوْعٌ بِهِ)؛ أي: خلافًا لمن قال: إنَّ خبر الواحد يوجب القطع. كما حُكي عن أحمد ومالك وداود، وحُكي عن بعض الشَّافعية بشرطِ أن يكون في إسناده إمام كمالك وأحمد وسفيان وإلَّا فلا يوجبه.
قوله: (إِذَا تَوَاتَرَ)؛ أي: أو احتَفَّت به قرائن، قال في «شرح النُّخبة»: الخبر المُحتفُّ بالقرائن يفيد العلم خلافًا لمن أبى ذلك، قال: وهو أنواع منها ما أخرجه الشَّيخان ممَّا لم يبلغ عدد التَّواتر فإنَّه احتفَّ به قرائن منها جلالتهما وتقدُّمهما في تمييز الصَّحيح على غيرهما وتلقِّي العلماء لكتابيهما بالقبول، ومنها المشهور إذا كان له طرق متباينة سالمة من ضعف الرُّواة والعلل وممَّن صرَّح بإفادته العلم أبو منصور البغداديُّ، ومنها المسلسل بالأئمَّة الحفَّاظ حيث لا يكون غريبًا كحديث يرويه أحمد مثلًا ويشاركه فيه غيره عن الشَّافعي ويشاركه فيه غيره عن مالك فإنَّه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته، قال: وهذه الأنواع الَّتي ذكرناها لا يحصل العلم فيها إلَّا للمُتَبَحِّر في الحديث العارف بأحوال الرُّواة والعلل.
قوله: (فمُعَلَّق)؛ أي: لكونه بحذف أوَّل سنده صار كالجدار المعلَّق، ويُطلق عليه أنَّه غير صحيح بمعنى أنَّه لم يصحَّ إسناده بالشُّروط المذكورة لا أنّه كذب في نفس الأمر؛ لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ.
وقوله: (وَهُوَ فِي صَحِيْحِ البُخَاريِّ) سيأتي أنَّه إنَّما يفعل ذلك؛ اعتمادًا على شهرة الحديث وسنده أو في المتابعات والشَّواهد لا في الأصول.
قوله: (يَكُوْنُ مَرْفُوْعًا) هو كما سيأتي ما أضيف إلى النَّبيِّ ﷺ من قول أو فعل … إلى آخره.
وقوله: (أَوْ مَوْقُوْفًا) هو المقصور على الصَّحابيِّ كما ستعرفه.
قوله: (والمُخْتَار … ) إلى آخره، مقابله أنَّه لا يجزم بذلك مطلقًا، وأنَّه يجزم به مطلقًا تَقيَّد بمخصوص أو لا، والقائلون بذلك اختلفوا، فقال بعضهم:
أصحُّها: مطلقًا ما رواه أبو بكر محمَّد بن مسلم عن عبيد الله بن عبد الله الزُّهريِّ عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وهو مذهب الإمام أحمد وإسحاق بن رَاهُوْيَه.
وقيل: أصحُّها محمَّد بن سيرين عن عَبيدة عن عليٍّ، وهو مذهب ابن المدينيِّ وقيل غير ذلك.
ما جرى عليه الشَّارح هو ما اختاره الحاكم، قال: ينبغي تخصيص القول في أصحِّ الأسانيد بصحابيٍّ، أو بلد مخصوص بأن يقال: أصحُّ إسناد فلان أو فلانيين كذا؛ -أي: كالبصريِّين- ولا يُعَمِّم، ثمَّ قال: (فأصحُّ أَسَانِيْدِ الصِّدِيْق … ) إلى آخره، ما ذكرهُ الشَّارح.
قال الخطيب: وأصحُّ طرق السُّنن ما يرويه أهل الحرمين مكَّة والمدينة فإنَّ التَّدليس عنهم قليل والكذب والوضعُ عندهم عزيز، ولأهل البصرة من السُّنن الثَّابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم، والكوفيون لا تخلو روايتهم من دَغلٍ وغلل، وحديث الشَّاميين أكثرهُ مراسيل ومقاطيع وما اتَّصل منه فإنَّه صالحٌ، وأما العراقيُّون فقال هشام: إذا حدَّثك عراقيٌّ بألف حديثٍ فاطرح تسعمئة وتسعين وكنْ من الباقي في شكٍّ. انتهى.
قوله: (فِي سَنَدٍ)؛ أي: أو حديثٍ، قال العلائيُّ: أمَّا الإسناد فقد صرَّح جماعة بذلك، وأمَّا الحديث فلا يُحفظ عن أحد من أئمَّته أنَّه قال: حديث كذا أصحُّ الأحاديث على الإطلاق؛ لأنَّه لا يلزم من كون الإسناد أصحَّ من غيره أن يكون المتن كذلك، فلذلك لم يخصَّ الأئمَّة إلَّا في الحكم على الإسناد. انتهى.
(١) تعليق الشاملة: كذا وقع في نسخة الشارح الأبياري، ولذلك شرح عليها. وفي إرشاد الساري: «إسناده صحيح» (كما في ط بولاق ١/ ٨ والطبعات الأخرى)