أي: صَحَّ بإسنادٍ وحَسُنَ بآخرَ.
والصَّالح: دون الحسن، قال أبو داود: ما كان في كتابي «السُّنن» من حديثٍ فيه وهنٌ شديدٌ؛ فقد بيَّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالحٌ، وبعضها أصلح من بعضٍ. انتهىَ. قال الحافظ ابن حجرٍ: لفظ «صالحٍ» في كلامه أعمُّ من أن يكون للاحتجاج أو للاعتبار، فما ارتقى إلى الصِّحَّة، ثمَّ إلى الحُسْنِ فهو بالمعنى الأوَّل، وما عداهما فهو بالمعنى الثَّاني، وما قَصُرَ عن ذلك فهو الذي فيه وَهَنٌ شديدٌ.
والمُضعَّف: ما لم يُجمَع على ضعفه، بل في متنه أو سنده تضعيفٌ لبعضهم وتقويةٌ للبعض الآخر، وهو أعلى من الضَّعيف، وفي «البخاريِّ» منه.
تكون من الأوصاف الشَّاملة للسَّند والمتن وهي الصِّحة والحسن والضَّعف، فإذا وصفنا السَّند بصفة تخصُّهُ كأن يقال: مُعْضل مثلًا لم يُنظر إلى متن الحديث أصلًا، بل تارة يكون صحيحًا أو حسنًا أو ضعيفًا وتارة يكون مرفوعًا أو موقوفًا أو مقطوعًا، وإذا وصفنا الحديث بصفة تخصه كأنْ يقال: مرفوع لم ينظر إلى السَّند أصلًا سواء كان صحيحًا أم حسنًا أم ضعيفًا أم منقطعًا أم معضلًا أم غير ذلك، وإذا وصفنا أحدهما بما هو مشترك بينهما لم يلزم منه كون الآخر كذلك، فاعرف ذلك واغتنمه.
قوله: (وَمَا قِيْلَ فِيهِ … ) إلى آخره؛ أي: كما فعله التِّرمذيُّ في جامعه في كثير من الأحاديث، وكذلك ابن أبي شيبة وغيره.
قوله: (أَيْ: صَحِيْحٌ بِإِسْنَادٍ … ) إلى آخره، قال ابن دقيق العيد: يرد على ذلك الأحاديث الَّتي قيل فيها ذلك وليس لها إلَّا مخرج واحد كحديث «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ من شَعْبَانَ فلا تَصُومُوا»، أخرجه التِّرمذيُّ، وقال فيه: حسن صحيح لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه على هذا اللفظ، وأجاب ابن الصَّلاح: بأنَّ المراد بقولهم: «حسن صحيح» الحسن اللُّغويُّ وهو حُسن الَّلفظ دون الاصطلاحيِّ.
ولذا قيل في بعض الأحاديث: حسن ولكن في رواته من هو كذَّاب، وردَّه ابن دقيق العيد بأنَّه يلزم أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن الَّلفظ أنَّه حسن، وذلك لا يقوله من المحدِّثين أحد، وأجاب ابن كثير: بأنَّ الجمع بين الصِّحة والحسن درجة متوسِّطة بين الصَّحيح والحسن، قال: فما يقال فيه حسن صحيح أعلى رتبةً من الحسن، ودون الصَّحيح، قال العراقيُّ: وهذا تَحَكُّمٌ لا دليل عليه. انتهى.
قلت: لعلَّ وجه التَّحكُّم أنَّه كان المتبادر أنَّه إمَّا أن يكون جانب الصِّحة فيه أرجح أو جانب الحسن أو يستويان، فإن كان أحدهما أرجح كان الحكم له وإلَّا فللحسن أيضًا إذ لا يُصار إلى الأعلى إلَّا بيقين، فالحكم بدرجة متوسطة حينئذ تحكُّم ولا دليلَ عليه في اصطلاحهم، ثمَّ إنَّا نجدهم تارة يقدِّمون لفظ (حسن) على (صحيح) وتارة يؤخِّرونه فيقولون تارة: (حسن صحيح) وأخرى: (صحيح حسن) والظَّاهر أنهم لا يفعلون ذلك عبثًا بل لا بدَّ من نُكتة، ولا مانع مِن أن يقال: إنَّها في تقديم لفظ الصِّحة يكون الحديث من قبيل الصَّحيح لغيره الحسن لذاته، فيكون أعلى من قولهم: حديث حسن فقط؛ لاحتمال أن يكون حسنًا لغيره، وفي تقديم لفظ الحسن يكون الحديث حسنًا لغيره بقرينة ضمِّ (صحيحٍ) إليه، ويكون المراد من قولهم (صحيح) أنَّه ليس بضعيف بل تَرَقَّى من هذه الرُّتبة فيكون ذلك أدنى من قولهم (صحيح حسن) كذا ظهر، وأحسن الأجوبة ما قاله شيخ الإسلام: وهو أنَّ الحديث إن تعدَّد إسناده فالوصف راجعٌ إليه باعتبار الإسنادين أو الأسانيد، قال: وعلى هذا فما قيل فيه ذلك فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردًا؛ لأنَّ كثرة الطُّرق تُقوِّي، وإلَّا فبحسب اختلاف النُّقاد في راويه فيَرى المجتهدُ منهم بعضهم يقول فيه: (صدوق) وآخر يقول فيه: (ثقة)، ولا يترجَّح عنده قول واحد منهما أو يترجَّح ولكنَّه يريد أن يُشير إلى كلام النَّاس فيه، فيقول ذلك وكأنَّه قال: حسن عند قوم صحيح عند قوم، قال: وغايةُ ما فيه أنَّه حَذَفَ منه حرف التَّرَدُّدِ؛ لأنَّ حقَّه أن يقول: حسن أو صحيح، قال: وعلى هذا ما قيل فيه ذلك دون ما قيل فيه: صحيح؛ لأنَّ الجزم أقوى من التَّردُّد. انتهى.
(فائدتان) الأولى: من الألفاظِ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول: الجيِّد، والقويُّ، والمعروف، والمحفوظ، والمجوَّد، والثَّابت.
فالجيِّد هو الصَّحيح، قال البُلقينيُّ: الجَودةُ يُعبَّر بها عن الصِّحة، وكذا قال غيره. لا مغايرة بين «جيِّد» و «صحيح» عندهم إلَّا أنَّ الجَهْبَذَ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيِّد إلَّا لنكتةٍ كأنْ يرتقي الحديث عن الحسن لذاته ويتردَّد في بلوغه الصَّحيح، فالوصف به أنزل رتبةً من الوصف بصحيح، وكذا القويُّ، وأما المُجوَّد والثَّابت فيشملان الصَّحيح والحسن، والمعروف مقابل المنكر، والمحفوظ مقابل الشَّاذ، وسيأتيان.
الثانية: زيادةُ راوي الصَّحيح والحسن مقبولةٌ إذ هي في حكم الحديث المستقلِّ ما لم تُنافِ رواية من لم يزد، فإنْ نافت بأن يلزم من قَبولها ردُّ الأخرى احتيج للترجيح، فإن كان لأحدهما مُرجِّحٌ فالآخر شاذٌ.
قوله: (وَالصَّالِحُ دُوْنَ الحَسَنِ) مقتضاهُ أنَّه لا يشمل الحسن والصَّحيح وليس كذلك بل يَعمُّهما وغيرهما ممَّا يصلح للاعتبار كما تفيده عبارة ابن حجر الآتية، فهو ما ليس فيه وهنٌ شديد أعمُّ من أن يكون لا وهن فيه أصلًا، أو فيه وهن غير شديد.
وعبارة «شرح التَّقريب»: وأما الصَّالح فهو شاملٌ للصَّحيح والحسن، لصلاحيَّتهما للاحتجاج بهما، ويُستعمل أيضًا في ضعيفٍ يصلح للاعتبار. انتهى.
وهو بمعنى ما ذكره ابن حجر في تفسير كلام أبي داود.
قوله: (وَهُوَ أَعْلَى مِنَ الضَّعِيْفِ)؛ أي: قوَّةً لا ضعفًا كما قد يُتوهَّم.
قوله: (وَفِي البُخَارِيِّ مِنْهُ)؛ أي: على وجه التَّقويةِ لحديثٍ آخر