وقيل: إن كانت عادته ألَّا يروي إلَّا عن عدلٍ كالشَّيخين فتعديلٌ، وإلَّا فلا، ولا يُقبَل مجهول العدالة، وكذا مجهول العين الذي لم تعرفه العلماء، وتَرفع الجهالةَ عنه روايةُ اثنين مشهورين بالعلم، والصَّحابةُ كلُّهم عدولٌ، وقَبِلَ
فلم تتضمن روايَتُهُ عنهُ تعديله، وما ذكره الشارح هو الصحيح الذي عليه الأكثرون من أهل الحديث وغيرهم، وقيل: هو تعديل إذ لو علمَ فيه جرحًا لذكرَهُ وإلَّا كان غشًّا في الدِّين.
وأُجيب: بأنَّه قد لا يعرفُ عدالته ولا جرحه.
قوله: (وَقِيْلَ: إِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ … ) إلى آخره، اختارَ ذلك الأصوليونَ كابنِ الحاجبِ والآمدي وغيرهما، والصحيح أنَّه إذا قال: (حدَّثني الثقة أو مَنْ لا أتهم) لم يُكْتَفَ به في التعديل؛ لأنَّه ربما لو سماه كان ممَّن جرحه غيره، وقيل: إن كان القائل مُجتهدًا كفى في حقِّ موافقيه في المذهب، واختاره إمام الحرمين ورجَّحه الرافعي.
قوله: (مَجْهُوْلُ العَدَالَةِ)؛ أي: مع كَوْنِهِ معروفَ العين برواية عدلين عنه وهذا ما عليه الجمهور.
وقيل: تُقْبَلُ مُطْلَقًا.
وقيل: إن كان مَن روى عنه فيهم مَن لا يروي عن غير عدلٍ قُبِلَ وإِلَّا فَلا.
قوله: (الَّذِيْ لَمْ تَعْرِفُهُ العُلَمَاءُ)؛ أي: ولم يشتهرْ بطلبِ العلمِ في نفسه، ولا يُعرف حديثه إلَّا من جهة راوٍ واحدٍ كما في «شرح التقريب» وما ذكره الشارح هو الصحيح.
وقيل: يُقبل مطلقًا.
وقيل: إن كان مشهورًا بالزهد والصلاح.
وقيل: إن زَكَّاهُ أحدٌ من أئمةِ الجرحِ والتَّعديلِ مع رواية واحد عنه، وصَحَّحَهُ شيخُ الإسلام.
وقيل: إن تَفَرَّدَ بالروايةِ عنه مَن لا يروي إلَّا عن عدلٍ.
قوله: (وَتَرْفَعُ الجَهَالَةُ عَنْهُ … ) إلى آخره؛ أي: وإن لم يثبتْ لهُ بذلكَ حكمُ العدالةِ.
تنبيه: يُقبلُ تعديلُ العبد والمرأة العارِفَين لقبول خبرهما، كما جزم به الخطيب في «الكفاية» والرازي والقاضي أبو بكر بعد أن حكى عن أكثر الفقهاء أنَّه لا يُقبَلُ في التعديل النساءُ لا في الرواية ولا الشهادة، واستدلَّ على القبول بسؤال النَّبيِّ ﷺ بريرة عن عائشة في قِصَّةِ الإِفْكِ.
وأما الصَّبي المُراهق فلا يُقبل تعديله إجماعًا.
قوله: (وَالصَّحَابَةُ … ) إلى آخره، اختلفَ في الصحابي:
فقيل: هو مَن لقي النَّبيَّ ﷺ مُسلمًا ومات على إسلامه، ولا يُشترط فيه البلوغ على الصحيح، ويشترط رؤيته في عالم الشهادة ليَخرج من رآه من الملائكة والنبيين.
واستشكل ابن الأثير ذكرَ مؤمني الجن في الصحابة دون مَن رآه من الملائكة وهم أولى بالذكر!!
وأُجيب: بأنَّ الجنَّ مِن جُمْلَةِ المكلفين الذين شملتهم الرسالة فكان ذِكْرُ من عُرِفَ اسمه ممَّن رآه حسنًا بخلاف الملائكة.
واستظهرَ العِراقي أنَّ عيسى ﵇ إذا نزل وحَكَمَ بِشَرْعِهِ أُطلق عليه اسم الصحبة؛ لأنَّه ثبت أنَّه رآه في الأرض.
وقيل: الصَّحابي مَن طالتْ مجالسته له على طريق التِّبع.
وقيل: مَن أقام معه سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين؛ لأنَّ لصحبته ﷺ شرفًا عظيمًا فلا تنالُ إلَّا باجتماع طويلٍ يظهرُ فيه الخُلق المطبوع عليه الشخص، كالغزو المشتمل على السفر، والسَّنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف بها المزاج، وهو ضعيف.
وقيل: من طالت صحبته وروى عنه.
وقيل: من رآه بالغار، وهو شاذٌ.
وقيل: من أدرك زمنه ﷺ وهو مسلم.
وشَرَطَ الماوردي في الصحابي أن يتخصصَ بالرسول، ويتخصصَ به الرسول.
وتُعرف الصحبة بالتواتر كأبي بكر وعمر.
أو الاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر كضِمَام بن ثعلبة.
أو قول صحابي عنه إنَّه صحابي.
قال شيخ الإسلام: أو يُخْبِرُ أحدُ التَّابِعِين أنَّه صحابي، أو يقول هو: أنا صحابي، إذا كان عدلًا وأمكن ذلك؛ فإن ادَّعاهُ بعد مئة سنة من وفاته ﷺ فإنَّه لا يُقبل لحديث: «فَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِئَةِ سَنَةٍ لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِ الأرض أَحَدٌ» يريد انخرام ذلك القرن، قال ذلك سنة وفاته ﷺ.
قوله: (كُلُّهُم)؛ أي: مَن لابسَ الفتنَ منهم وغيرهم لحديث: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي»، ولا يجبُ البحثُ عن عَدَالَتِهِم.
قال إمام الحرمين: لأنَّهم حملةُ الشريعة فلو ثبت توقُّفٌ في روايتهم لانحصرت الشريعة في عصره ﷺ ولما استرسلت على سائر الأعصار.
وما ذكره الشارح من التعميم هو المعتمد، وقالت المعتزلة: إلَّا من قاتل عليًّا، وقيل: إلَّا المُقَاتِلُ والمُقَاتَلُ.
فوائد:
الأولى: أكثرُ الصحابةِ حديثًا أبو هريرة ﵁، روى خمسة آلاف وثلاثمئة وأربعة وسبعين حديثًا، اتفق الشيخان منها على ثلاثمئة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمئة وتسعة وثمانين، وروى عنه أكثر من ثمانمئة رجل، وهو أحفظ الصحابة.
ثم عبد الله بن عمر، روى ألفي حديث وستمئة وثلاثين حديثًا.
وابن عباس روى ألفًا وستمئة وستين.
وجابر بن عبد الله روى ألفًا وخمسمئة وأربعين حديثًا.
وأنس بن مالك روى ألفين ومئتين وستًّا وثمانين.
وعائشة أم المؤمنين روت ألفين ومئتين وعشرة.
وأبو سعيد الخدري روى ألفًا ومئة وسبعين.
وليس في الصحابة بعد ذلك من يزيدُ حديثه على ألف، وجملةُ ما روي لأبي بكر ﵁