أهل هذه الأزمان.
والحسن: ما عُرِفَ مَخْرَجُه مِن كونه حجازيًّا شاميًّا عراقيًّا مكيًّا كوفيًّا؛ كأن يكون الحديث عن راوٍ قد اشتُهِر برواية أهل بلده، كقَتادة في البصريِّين، فإنَّ حديث البصريِّين إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مَخْرَجُه معروفًا، بخلافه عن غيره. والمراد به الاتِّصال، فالمنقطع والمُرسَل والمُعضَل لغيبة بعض رجالها لا يُعلَم مَخْرَجُ الحديث منها، فلا يسوغ الحكم بمَخْرَجه، فالمعتبر الاتِّصال ولو لم يعرف المَخْرَج، إذ كلُّ معروفِ المَخْرَج متَّصلٌ ولا عكسَ، وشهرةُ رجاله بالعدالة والضَّبط المنحطِّ عن الصَّحيح، ولو قِيلَ: هذا
وينبغي التَّوقُّف عن الحكم بالفرديَّة والغرابة والعزَّة أكثر.
قوله: (مَا عُرِفَ مَخْرَجُهُ) بفتح الميم والرَّاء؛ أي: محلَّ خروجه، وهو رجاله الرَّاوون له؛ لأنَّه خرج منهم والمراد ولو نساء.
وأما المخرِّج بالتَّشديد أو بالتَّخفيف اسم فاعل فهو ذاكرُ الرِّواية، كالبخاريِّ، والمعنى أنَّ الحَسن هو ما اشتهرت رجاله وذلك كناية عن الاتِّصال كما سيأتي بقول الشَّارح، والمرادُ به؛ -أي: بمعرفة المخرَج- الاتِّصال وأنَّ المدار عليه ولو لم يعرف المخرج إذ المرسل والمنقطع والمُعْضَل والمُدَلَّس -بفتح اللام- قبل أن يتبيَّن تدليسه لا يُعرف مخرج الحديث فيها فلا يكون متَّصلًا إذ لا يُدرى من سقط.
قوله: (بِسِبَبِ رِوَايَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ)؛ أي: عنه، وقوله: (كان مخرجه معروفًا)؛ أي: لمعرفة سلسلة قتادة وشهرتها بين المحدثين.
قوله: (فالمُنْقَطِعُ … ) إلى آخره، تفريعٌ على أنَّ المرادَ الاتِّصال والمدار عليه، وسيأتي أنَّ المنقطع ما سقط من رواته واحدٌ قبل الصَّحابيِّ من مكان أو أكثر، والمُعْضَل السَّاقط منه اثنان فأكثر مع التَّوالي، والمُرْسل ما سقط منه الصَّحابيُّ ورفعه التَّابعي.
وقوله: (لغيبة … ) إلى آخره، علَّةٌ مقدَّمةٌ على المعلول.
وقوله: (لا يعلم … ) إلى آخره، خبر المنقطع.
وأمَّا قوله: (لا يُسوغ) فالظَّاهر أنَّ له فاء سقطت ولا يسوغ سقوطها، إذ المعنى أنَّه يترتَّب على عدم معرفة السَّاقط منها عدم جواز الحكم على مَخْرجها بالحُسن؛ لتوقفه على الاتِّصال المتوقِّف على معرفة جميع الرِّجال، أو الباء في (بمخرجه) سببيَّة والكلام على تقدير مضاف؛ أي: بسبب جهل مَخْرَجِهِ لا يسوغ الحكم عليه … إلى آخره.
ثمَّ ما ذكره الشَّارح من التَّعريف أصله للخطَّابيِّ، واعترضه ابن دقيق العيد بصدقه على الصَّحيح، وأُجيب: بأنَّ الصَّحيح أخصُّ من الحسن، ودخول الخاصِّ في حدِّ العامِّ ضروريٌّ، والتَّقييد بما يخرجه عنه مخلٌّ بالحدِّ له، وهذا مبنيٌّ على طريق المتقدمين من جواز التَّعريف بالأعمِّ، لكنَّ الشَّارح سيأتي بقوله (وَشُهْرَةُ رِجَالِهِ بِالْعَدَالَةِ … ) إلى آخره، عاطفًا له على قوله (فَالْمُعْتَبَرُ الاتِّصَالُ) فسَلِمَ كلامه من ذلك، إلَّا أنَّه قاصرٌ على أحد شِقَّي الحسن وهو الحسن لذاته غير شاملٍ للحسن لغيره، ولذا لم يرتضِ ذلك ابن الصَّلاح، وقال ما حاصله: قد أمعنتُ النَّظر في ذلك جامعًا بين أطراف كلامهم ملاحظًا مواقع استعمالهم فاتَّضح لي أنَّ الحسن قسمان؛ أحدهما وهو المسمَّى بالحسن لغيره ما في إسناده مستورٌ لم تتحقَّق أهليَّته غير أنَّه ليس مغفَّلًا ولا كثير الخطأ فيما يرويه ولا متَّهمًا بالكذب فيه ولا يُنسب إلى مفسِّق آخر واعتضد بمتابع أو شاهد، وثانيهما وهو المسمَّى بالحسن لذاته ما اشتهر رواته بالصِّدق والأمانة ولم يصلْ في الحفظ والإتقان مرتبة رجال الصَّحيح، قال: وعليه ينزل حدُّ الخطَّابيِّ ويزاد في كلٍّ منهما سلامته من التَّعليل والشُّذوذ. انتهى.
أي: لتتمَّ الشُّروط الخمسة الَّتي للصَّحيح، وهي الاتِّصال، وكون راويه عدلًا، وكونه ضابطًا، وعدم الشُّذوذ والتَّعليل.
قال ابن جماعة: ويرد على الأوَّل من القسمين الضَّعيف والمنقطع والمرسل الَّذي في رجاله مستور، وروي مثله أو نحوه من وجه آخر، وعلى الثَّاني المرسل الَّذي اشتهر راويه بما ذكر فإنَّه كذلك وليس بحسنٍ في الاصطلاح، قال: ولو قيل: الحسن كلُّ حديث خالٍ عن العلل وفي سنده المتَّصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان لكان أجمع وأخصر. انتهى.
وحدَّ شيخ الإسلام الصَّحيح لذاته بما نقله عدل تامُّ الضَّبط متَّصل السَّند غير معلَّل ولا شاذٍّ، ثمَّ قال: فإنْ خفَّ الضَّبط فهو الحسن لذاته. فشَرَّك بينه وبين الصَّحيح في الشُّروط إلَّا تمام الضَّبط، ثمَّ ذكر الحسن لغيره بالاعتضاد.
وبالجملة فقد كثُرت تعاريف الحسن ولم يصفُ منها تعريفٌ حسن، قال البلقينيُّ: الحسن لَمَّا توسَّطَ بين الصَّحيح والضَّعيف عند النَّاظر كأنَّ شيئًا ينقدح في نفس الحافظ وقد تقصُر عبارته عنه فلذا صعُب تعريفه. انتهى.
قوله: (ولَمْ يُعْرَف المَخْرَج)؛ أي: لم يشتهر، وأمَّا أصل معرفته وضبطه فلا بدَّ منه.
قوله: (مُتَّصِلٌ)؛ أي: لِمَا عرفت من أنَّ ما سقط من رجاله شيء لم يعرف مخرجه.
وقوله: (ولا عَكْسَ)؛ أي: لأنَّه قد يتَّصل مع عدم الاشتهار بل ومع الضَّعف.
قوله: (وشُهْرَةُ) بالرَّفع عطف على الاتِّصال، والمراد بالشُّهرة: سلامة الرِّجال من وصمة الكذب فهو بمعنى قول التِّرمذيِّ: ولا يكون في إسناده متَّهم بالكذب، كما في «شرح التَّقريب»، ويحتمل أن يكون (وشهرة) مبتدأ و (بالعدالة) خبره؛ والمعنى: وشهرة رجاله الَّتي هي مُرادة لمعرفة المَخْرج تكون بالعدالة … إلى آخره؛ أي: فمعنى قولنا: ما عُرف مخرجه؛ أي: ما اشتهرت رجاله بأنَّهم عدول ضابطون … إلى آخره، وبالجملة فهذا التَّعريف فيه من الطُّول والقلاقة والصُّعوبة ما لا يخفى.
قوله: (المُنْحَطِّ عَنْ الصَّحِيْحِ)؛ أي: الَّذي للصَّحيح وهو تمام الضَّبط