والمرفوع: ما أُضيف إلى النَّبيِّ ﷺ من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، متَّصِلًا كان أو منقطعًا، ويدخل فيه المُرسَل، ويشمل الضَّعيف.
والموقوف: ما قُصِرَ على الصَّحابيِّ قولًا أو فعلًا ولو منقطعًا، وهل يُسمَّى أثرًا؟ نعم؛
المتن وهو إضافته؛ -أي: نسبته- إلى النَّبيِّ ﷺ دون الإسناد من أنَّه متصل أو لا، والمُتَّصِلُ يُنْظَرُ فيه إلى حال الإسناد وهو سماعُ كل راوٍ ممَّن يروي عنه دون المتن من أنَّه مرفوع أو لا، والمسند ينظر فيه إلى الحالين معًا فيجمع بين شرطي الاتصال والرفع، فيكون بينه وبين كلٍّ من المرفوع والمتصل عموم وخصوص مطلق، وكلُّ مسند مرفوع متصل ولا عكس، وحاصل ما ذكر أنَّ الحاكم جعل المُسند مركبًا من صفاتهما معًا، وابن عبد البر جعله من صفات المتن، فإذا قيل: هذا حديثٌ مسندٌ، علمنا أنَّه مضاف للنَّبيِّ ﷺ، ثم قد يكون مرسلًا أو مُعضلًا إلى غير ذلك، والخطيب الذي تبعه الشارح جعله من صفات المتن أيضًا، لكن لحظَ فيه صفة السند فجعلها المقصودة بالذات وألغى النظر عن اعتبار المتن، فإذا قيل: هذا حديث مسند، علمنا أنَّه متصلٌ، ثم قد يكون مرفوعًا وموقوفًا إلى غير ذلك، قال السيوطي: وقول الحاكم هو الأصح. انتهى.
قال الحاكم: وشرط المسند أن لا يكون في إسناده (أُخبرت عن فلان) ولا (حُدثت) ولا (بلغني عن فلان) ولا (أظنُّه مرفوعًا) ولا (رفعه فلان).
قوله: (والمَرْفُوْعُ) سُمِّيَ بذلك لارتفاع رتبته بإضافته إلى النَّبيِّ ﷺ.
قوله: (مَا أُضِيْفَ إلى النَّبيِّ ﷺ؛ أي: سواءٌ أضافه صحابي أو غيره ولو منا الآن، فيدخل فيه المسند والمتصل والمرسل والمنقطع والمعضل والمعلق، دون الموقوف والمقطوع، هذا هو المشهور.
وقال الخطيب: هو ما أخبر به الصحابي عن فعله ﷺ فأخرج بذلك المُرسل، لكن قال ابن الصلاح: مَنْ جعل المرفوع في مقابلة المرسل؛ أي: حيث يقولون مثلًا (رفعه فلان وأرسله فلان) فقد عُني بالمرفوع المتصل لا مُطلق مرفوع، فهو مرفوع مخصوص لما مرَّ من أنَّ المرفوع أعمُّ من المتصل والمرسل، والإضافة إلى النَّبيِّ ﷺ أعمُّ من أن تكون صريحًا أو حكمًا قولًا أو فعلًا أو تقريرًا أو صفةً.
مثال المرفوع صريحًا من القول قول الراوي مطلقًا قال النبي ﷺ كذا.
ومثاله حكمًا قول الصحابي في المتعلق بالأمور الماضية كبدء الخلق، أو المستقبلة كأشراط الساعة لما يأتي من أنَّ مثل هذا لا يقوله الصحابي إلَّا عن توقيف.
ومثال المرفوع صريحًا من الفعل قول الصحابي: فَعَلَ النَّبيُّ كذا ورأيته يفعل كذا.
ومثاله حكمًا أن يفعل الصحابي ما لا مجال للرأي فيه، فَيُنَزَّل على أن ذلك عنده عن النَّبيِّ ﷺ كالقَصْر والفِطر الواقعين من ابن عمر وابن عباس في أربعة بُرُدٍ.
ومثال المرفوع صريحًا من التقرير أن يقول الصحابي: فَعَلْتُ، أو: فُعِلَ بحضرة النَّبيِّ ﷺ كذا، ويذكر عدم إنكاره لذلك.
ومثاله حكمًا حديث المغيرة بن شعبة: «كَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ ﷺ يَقْرَعُوْنَ بابه بِالأَظَافِيْرِ» فإنَّه مستلزم لاطِّلاعه ﷺ على ذلك وإقرارهم عليه.
ومثال المرفوع صريحًا من الصفة أن يقال: «كَانَ النبي ﷺ أَبْيَضَ اللَّوْنِ رَبْعَةً» مثلًا.
ومثالها حكمًا قول الصحابي: أُمِرْنا بكذا، أو نُهِيْنا عن كذا، أو من السُنَّة كذا؛ لظهور أنَّ النَّبيَّ ﷺ فَعلَ ما ذُكر، والفعلُ صفةٌ لفاعله.
قوله: (عَلَى الصَّحابي) سيأتي تعريفه وما تثبت به الصحبة، والتقييد بالصحابي إنَّما هو بالنظر للإطلاق، وإلَّا فيستعمل في غيره مقيدًا، فيُقال: موقوف على عطاء أو على الزهري، أو وقفه فلان على مجاهد أو الثوري أو غيرهما من التابعين.
قوله: (قَوْلًا أَوْ فِعْلًا)؛ أي: له كما في بعض النسخ، وكان الأولى التعبير بالواو بدل (أو) في قوله: (أو فعلًا) فيه وفيما قبله؛ لأنَّها تُفيد الجمع، ولا شكَّ أنَّ كلًّا من القول والفعل مجتمع فيما أُضيف لمن ذكر، وكلمةُ (أو) تقتضي خلاف ذلك؛ لأنَّها لأحد الشيئين أو الأشياء، وهذا مُطَّرِدٌ في كلِّ ما كان من تقسيم الكلي إلى جزئياته كالكلمة اسم وفعل وحرف، أما ما كان من تقسيم الكل إلى أجزائه نحو: (الحصير: خَيْطٌ وسَمُرٌ) فتتعين الواو، فاحفظه.
ومحل كون ما قُصر على الصحابي موقوفًا إذا خلا عن قرينة الرفع، أما لو وجدت فيه قرينة الرفع بأن لم يكن للرأي فيه مجالٌ فهو في حكم المرفوع، وإن احتمل أخذ الصحابيِّ له عن أهل الكتاب تحسينًا للظن به، كما سبق من الإخبار بالأمور الماضية والآتية، وكما في قول البخاري: «كان ابن عمر وابن عباس يُفطران ويقصران في أربعة بُرُدٍ»؛ لأنَّ مثل ذلك لا يُفعل من قبل الرأي، ثم مثل القول والفعل التقريرُ كما أفادهُ الحافظ ابن حجر.
قوله: (نَعَم)؛ أي: عند فقهاء خراسان، فيسمُّون الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر لما سبق، وفي «شرح النخبة»: يُقال للموقوف والمقطوع: الأثر، قال النووي: وعند المحدثين كل هذا يُسمى أثرًا؛ لأنَّه مأخوذ من أَثَرْتُ الحديثَ؛ أي: رويته.