أسانيد أهل البيت: جعفر بن محمَّدٍ عن أبيه عن جدِّه عن عليٍّ ﵃، إذا كان الرَّاوي عن جعفرٍ ثقةً، وأصحُّ أسانيد الصِّدِّيق ﵁: إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازمٍ عن أبي بكرٍ، وأصحُّ أسانيد عمر ﵁: الزُّهريُّ عن سالمٍ عن أبيه عن جدِّه، وأصحُّ أسانيد أبي هريرة ﵁: الزُّهريُّ عن سعيدِ بن المسيَّب عن أبي هريرة، وأصحُّ أسانيد ابن عمر: مالكٌ عن نافعٍ عن ابن عمر، وأصحُّ أسانيد عائشة: عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة ﵂ وعنهم أجمعين.
ويُحكَم بتصحيح نحو جزءٍ نَصَّ على صحَّته مَنْ يُعتَمد عليه من الحفَّاظ النُّقَّاد، فإن لم ينصَّ على صحَّته معتَمدٌ فالظَّاهرُ جوازُ تصحيحه لمن تمكَّنت معرفتُه وقويَ إدراكُه، كما ذهب إليه ابن القطَّان والمنذريُّ والدِّمياطيُّ والسُّبكيُّ وغيرهم؛ خلافًا لابن الصَّلاح، حيث مَنَعَ لضعف
لكنَّ شيخ الإسلام سيأتي إنَّ من لازم ما قاله بعضهم من أنَّ أصحَّ الأسانيد ما رواه أحمد عن الشَّافعي عن مالك عن نافع … إلى آخره أن يكون أصحُّ الأحاديث الحديث الَّذي رواه أحمد بهذا الإسناد. انتهى.
قال الحافظ السُّيوطيُّ: وقد جزمَ بذلك العلائيُّ نفسه في عوالي مالك فقال في الحديث المذكور: إنَّه أصحُّ حديثٍ في الدنيا.
قوله: (بِصَحَابِي تِلْكَ التَّرْجَمَةِ)؛ أي: أو بجهة محصورة كأهل البيت الآتية في الشَّارح أو البصريِّين أو المدنيِّين.
قوله: (على وُجُوْدِ دَرَجَاتِ القَبُوْلِ)؛ أي: المرتفعةُ عن سائر الأسانيد؛ فإنَّ الإطلاع على سائر الأسانيد ومعرفة أنَّ هذا أصحُّها متعسّرٌ بل متعذّر.
تنبيه: يُستفاد من كلام الشَّارح أنَّ الصَّحيح يتفاوت، وهو كذلك فله مراتب مختلفة متنًا وسندًا بحسب تفاوت الأوصاف المقتضية لهما، وإن كان الجميع مشتملًا على الشُّروط المذكورة.
فمن المرتبة العليا سندًا ما ذكره الشَّارح، ومن المرتبة العليا متنًا ما اتَّفق على إخراجه البخاريُّ ومسلم، ثمَّ ما انفرد به البخاريُّ، ثمَّ مسلم، ثمَّ ما كان على شرطهما ولم يخرِّجاه بل خرَّجه غيرهما، ثمَّ ما كان على شرط البخاريِّ، ثمَّ ما كان على شرط مسلم، ثمَّ ما كان على شرط غيرهما كباقي الكتب السِّتَّة.
وسيأتي في الشَّارح الكلام على شرط الشَّيخين، وحاصله أنَّه ليس لهما شرط موجود في كتابيهما فاختلف النَّاس فيه، قيل: والأسلم ما قاله النَّوويُّ: أنَّ المراد بالشَّرط الرِّجال الرَّاوون للحديث، فإذا قيل هذا الحديث على شرط البخاريِّ أو شرط مسلم فمعناه أنَّ الرَّاوين له كرواة البخاريِّ أو مسلم أو منهما، واعلم أنَّ ما أخرجه المؤلِّفون بعد الشَّيخين كالسُّنن لأبي داود إذا قالوا فيها: أخرجه البخاريُّ أو مسلم فلا يَعْنون بذلك أكثر من أنَّ البخاريَّ أو مسلمًا أخرج أصل ذلك الحديث، فعلى هذا ليس لك أن تنقل حديثًا منها وتقول هو على هذا الوجه من كتاب البخاريِّ أو مسلم إلَّا أن تقابل لفظه، أو يقول الَّذي خرَّجه: أخرجه البخاري بهذا اللَّفظ، كذا في «الملخّص»، ومثل ذلك يقال فيما يخرجه الحافظ السُّيوطيُّ في «الجامع الصَّغير» عن الشَّيخين أو أحدهما؛ فتَفَطَّن.
قوله: (جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّد)؛ أي: ابن عليِّ بن الحسين بن عليِّ ﵃.
وقوله: (عن أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ) هذه عبارةُ الحاكم ونُظر فيها بأنَّ الضَّمير في جدِّه إن عاد لجعفر فجدُّه عليٌّ لم يسمع من عليِّ بن أبي طالب أو إلى محمَّد فهو لم يسمع من الحسين.
قوله: (مَالِك عَن نَافِع) مالك هو ابن أنس الإمام، ونافع هو مولى ابن عمر، قال البخاريُّ: وهذا أصحُّ الأسانيد، قال السُّيوطيُّ: وهو أمر تميلُ إليه النُّفوس وتنجذب له القلوب، قال النَّوويُّ: وعلى هذا فأجلُّ الأسانيد الشَّافعيُّ عن مالك عن نافع عن ابن عمر؛ أي: لإجماع أهل الحديث على أنَّه لم يكن في الرُّواة عن مالك أجلُّ من الشَّافعيِّ، وبَنى بعض المتأخِّرين على ذلك أن أجلَّها رواية أحمد ابن حنبل عن الشَّافعيِّ عن مالك؛ لاتفاق أهل الحديث على أنَّه لم يرو عن الشَّافعي أجلُّ من أحمد، وتسمَّى هذه التَّرجمة سلسلة الذَّهب.
قوله: (نَحْوَ جُزْءٍ)؛ أي: ككتاب من المصنَّفات المشهورة.
قوله: (أَوْ لَمْ يَنُصَّ) كان الأظهر: فإن لم ينصَّ … إلى آخره.
قوله: (جَوَازُ تَصْحِيْحِهِ) قال العراقيُّ: وهو الَّذي عليه عمل أهل الحديث، فقد صحَّح جماعة من المتأخِّرين أحاديث لم نجد لمن تقدَّمهم فيها تصحيحًا.
وقوله: (كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ القَّطَانِ) بالقاف وهو أبو الحسن عليُّ بن محمد بن عبد الملك بن القطَّان صاحب كتاب «الوهم والإيهام»، فصحَّحَ في كتابه المذكور حديث ابن عمر: «أنَّه كان يتوضَّأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول: كذلك كَانَ رسول الله ﷺ يَفْعَلُ».
وقوله: (والمُنْذِرِيُّ) هو الحافظ زكيُّ الدِّين، فصَحَّحَ حديثَ بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك ويونس عن الزُّهريِّ عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة في «غُفْرَان مَا تقدَّمَ منْ ذنبهِ وما تأخَّرَ».
وقوله: (وَالدِّمْيَاطِيُّ) هو الحافظ شرف الدِّين من الطَّبقة الَّتي تلي طبقة ابن القطَّان والمنذريِّ،
فصحَّحَ حديث جابر «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ».
وقوله: (والسُّبْكِيُّ) هو تقيُّ الدِّين من الطَّبقة الَّتي بعد طبقة الدّمياطيِّ فصَحَّحَ حديث ابن عمر في «الزِّيارة».
قوله: (حَيْثُ مَنَعَ … ) إلى آخره، قال: لا يُحكم بصحَّته؛ لضعف أهل هذه الأزمان وما من إسناد من ذلك إلَّا ونجدُ في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عَرِيًّا عما يُشترط في التَّصحيح من الحفظ والضَّبط والإتقان، قال في «المنهل»: مع غلبة الظَّنِّ أنَّه لو صحَّ لما أهمله أئمَّة الأعصار المتقدِّمة؛ لشدَّة فحصهم واجتهادهم. انتهى.
قال الحافظ السُّيوطيُّ: والأحوط في مثل ذلك أن يعبَّر عنه بصحيح الإسناد، ولا يطلق التَّصحيح؛ لاحتمال علَّة للحديث خفيت عليه، وقد رأيت من يعبِّر؛ خشية من ذلك بقوله: صحيح إن شاء الله.
تنبيه: حيثُ جاز التَّصحيح للمتأخرين فالتَّحسينُ أولى، وقد حَسَّنَ المِزيُّ حديث «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ» مع تصريحِ الحُفَّاظِ بتضعيفه، وكذلك التَّضعيف، وأمَّا الحكم بالوضع فيمتنعُ إلَّا حيث لا يخفى كالأحاديث الطِّوال الرَّكيكة الَّتي وضعها القُصَّاصُ أو ما فيه مخالفةٌ للعقل أو الإجماع كما ذكره في «شرح التَّقريب»، قال: وأمَّا الحكم للحديث بالتَّواتر أو الشُّهرة فلا يمتنع إذا وجدت الطُّرق المعتبرة في ذلك