للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأن يكتب «صحَّ» على كلامٍ صحَّ روايةً ومعنًى؛ لكونه عرضةً للشَّكِّ أو الخلاف. وكذا بالتَّضبيب، ويسمَّى: التَّمريض، بأن يمدَّ خطًّا، أوَّله كرأس الصَّاد، ولا يلصقه بالممدود عليه، على ثابتٍ نقلًا، فاسدٍ لفظًا أو معنًى، أو ضعيفٍ أو ناقصٍ، ومن النَّاقص موضع الإرسال. وإذا كان للحديث إسنادان فأكثر؛ كتبَ عند الانتقال من إسنادٍ إلى إسنادٍ «ح» مفردةً مُهمَلةً؛ إشارةً إلى التَّحويل من أحدهما إلى الآخر، ويأتي مبحثها -إن شاء الله تعالى- في أوائل الشرح. وإذا قرأ إسنادَ شيخِه المحدِّثُ أوَّل الشُّروع وانتهى؛ عطف عليه بقوله في أوَّل الذي يليه: وبه قال: حدَّثنا؛ ليكون كأنَّه أسنده إلى صاحبه في كلِّ حديثٍ.

وأنواع التَّحمُّل؛ أعلاها: السَّماع من لفظ الشَّيخ، ويقال فيه: حدثنا أو حدَّثني؛ إذا كان منفردًا، وسمعت أعلى من حدثني، ثمَّ القراءة على الشَّيخ سواء قرأ بنفسه

بحاجته)؛ أي: مبنيًا للمفعول، قال في «المصباح»: وربما يقال: عُنيت بأمره بالبناء للفاعل. انتهى. باختصار، والعنايةُ بما ذُكرَ شأن المتقنين من الحذاق مبالغةً في العناية بالضبط.

قوله: (بِأَنْ يَكْتُبَ … ) إلى آخره، تصويرٌ للتصحيح، فالتصحيح عندهم هو أنْ يكتب ما ذكر ليعرف أنَّه لم يغفل عنه، وأنَّه ضبط وصحَّ على ذلك الوجه، وربما اختصرَ بعضهم علامة التصحيح فكتبها، هكذا صحَّ فأشبهت الضبَّة.

قوله: (بِأَنْ يَمُدَّ خَطًّا)؛ أي: على الكلمة التي فيها فسادٌ لفظًا أو معنى أو ضعف أو نحو ذلك.

وقوله: (كَرَأْسِ الصَّادِ) الأَولى قطع هذه الرأس، وعبارة «التقريب» و «شرحه»: أن يمدَّ خطًّا أوله كالصاد هكذا صـ. انتهى.

وذلك للفرق بين الصحيح والسقيم حيث كُتب على الأول لفظُ (صحَّ) كاملًا لتمامه، وعلى الثاني بعض هذا اللفظ ليدلَّ نقصُ الحرف على اختلاف الكلمة ويسمى ذلك ضبة، لكون الحرف مقفلًا بها لا يتجه لقراءة كضبة الباب مقفل بها، كما ذكره ابن الصلاح عن بعض اللغويين.

قوله: (وَلَاْ يُلْصِقَهُ)؛ أي: هذا الخط الذي هو (صـ) لئلا يظن أنَّه ضربٌ على الممدود عليه.

قوله: (عَلَى ثَابِتٍ … ) إلى آخره، متعلقٌ بـ (يمد)؛ أي: يمدُّ هذا التضبيب على لفظٍ ثابت … إلى آخره.

وقوله: (لَفْظًا أَوْ مَعْنًى)؛ أي: أو خطأ من جهة العربية أو غيرها، وحكمة هذا التضبيب الإشارة إلى الخلل الحاصل، وأنَّ الرواية ثابتةٌ به لاحتمال أن يأتي من يظهر له فيه وجه صحيح.

قوله: (وَمِنَ النَّاقِصِ)؛ أي: الذي يُضبَّب عليه.

قوله: (مَوْضِعُ الإِرْسَالِ)؛ أي: أو الانقطاع؛ أي: موضعه في الإسناد.

قوله: (إِسْنَادَان فَأَكْثَر)؛ أي: وجمع بينهما في متن واحد.

قوله: (كَتَبَ عِنْدَ الانْتِقَالِ)، قيل: ولا يلفظُ عندها بشيءٍ، والمختار أنَّه يقول عند الوصول إليها: حا، ويمر، وأهل المغرب يقولون إذا وصلوا إليها: الحديث، فهي رمز عندهم لذلك، وكتب جماعة من الحفاظ موضعها: (صح) فيشعر ذلك بأنَّها رمز (صح) لئلا يتوهم أنَّ حديث هذا الإسناد سَقَطَ، ولئلا يُركَّب الإسناد الثاني على الأول فيُجعلا إسنادًا واحدًا.

قوله: (إِسْنَادَ شَيْخِهِ) مفعولٌ مقدَّم والمُحدث فاعل مؤخَّر.

وقوله: (وَانْتَهَى)؛ أي: الإسنادُ المذكور.

قوله: (لِيَكُوْنَ كَأَنَّهُ أَسْنَدَهُ … ) إلى آخره؛ أي: لعود ضمير (وبه) على السَّنَدِ المذكورِ، كأنَّه يقول: وبالسند المذكور، قال؛ - أي: الشيخ- لنا، فهذا معنى قولهم: وبه قال.

قوله: (وَأَنْوَاعُ التَّحَمُّلِ)؛ أي: التَّلقي للحديث، وهي ثمانيةٌ كما ستعرفه.

قوله: (السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ)؛ أي: سواءٌ كانَ إملاءً، وهو التحديث مع التفسير كالجاري الآن، أو تحديثًا من غير إملاءٍ، وسواءٌ كان من حفظ الشيخ أو من كتابه، والإملاء أعلى من غيره وإن استويا في أصلِ الرُّتبة كما قاله الجلال.

قوله: (سَوَاءٌ قَرَأَ بِنَفْسِهِ … ) إلى آخره، لا يصحُّ أن يكونَ هذا تعميمًا في السماع من لفظ الشيخ، أما أولًا فإنهُ لا يصحُّ أن يكونَ السماعُ من لفظ الشيخ والقارئ غيره، وأما ثانيًا فإنَّ جميع ما ذكره من هنا إلى قوله: (ثم الإجازة … ) إلى آخره، إنَّما يُناسب القراءة على الشيخ وهو نوع ثان على حِدته من أنواع التحملِ خلطَهُ الشارح بالأول الذي هو السماع من لفظ الشيخ؛ قال في «التقريب»: بيانُ أقسام طرق تَحَمُّلِ الحديثِ ومجامعها ثمانية أقسام:

الأول: سماعُ لفظ الشيخ وهو إملاء وغيره، من حفظٍ ومن كتاب، وهو أرفع الأقسام عند الجماهير، قال القاضي عياض: لا خلاف أنَّه يجوز في هذا للسامع أن يقول في روايته: (حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت فلانًا، وقال لنا، وذكر لنا).

قال الخطيب: أرفعها «سمعت» ثمَّ «حدَّثنا» و «حدَّثني»، ثم قال: وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص «أخبرنا» بالقراءة على الشيخ.

وقال بعد ذلك: القسم الثاني: القراءةُ على الشيخ، ويُسميها أكثر المحدثين عرضًا سواء قرأت عليه أو قرأ غيرك وأنت تسمع، إلى أن قال: والأحوط في الرواية بها «قرأت على فلان … » إلى آخره، ما ذكر الشارح.

فلو قال بعد قوله: (السماع من لفظ الشيخ) ويقول فيه عند الأداء: (حدَّثنا) أو (حدَّثني)، ثم قال: الثاني القراءة على الشيخ سواءٌ قرأ … إلى آخره، لَمَا خلَّط ولا أوقع في شطط ولوفَّى التقسيمَ حقَّهُ وآتى كلًّا من الأقسام رِزْقَهُ، وقول «التقريب»: ويسميها أكثر المحدثين عرضًا؛ -أي: من حيث إنَّ القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يُعرض القرآن على المقرئ- لكن قال ابن حجر: القراءة على الشيخ أعمُّ من العرض؛ لأنَّه عبارةٌ عن عرض الطالب أصل شيخه والقراءة أعم من ذلك، وإذا عرفتَ ذلك فقول الشارح: (سواء قرأ)؛ أي: المقري، فهو تعميمٌ في النوع الثاني وهو القراءة على الشيخ؛ أي: إنَّه يستوي في صحةِ الرواية بالقراءة على الشيخ، القارئ بنفسه عليه والسامع لمن يقرأ عليه، وسواءٌ كانت القراءة من كُلٍّ منهما من كتاب أو حفظ، وعلى

<<  <   >  >>