زيادة ثقةٍ غير منافيةٍ؛ لإمكان حملها على حاضري عرفة.
والمُنكَر: الذي لا يُعرَف متنه من غير جهة راويه، فلا متابع له ولا شاهد، قاله البَرْديجيُّ، والصَّواب: التَّفصيل الذي ذكره ابن الصَّلاح في الشَّاذِّ، فمثال ما انفرد به ثقةٌ يُحمَل تفرُّده:
حديث مالكٍ عن الزُّهريِّ عن عليِّ بن حسينٍ عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيدٍ ﵄ رفعه: «لا يرثُ المسلمُ الكافرَ» فإنَّ مالكًا خالف في تسمية راويه عُمر -بضمِّ العين- غيرَه، حيث هو عندهم عَمرٌو -بفتحها- وقطع مسلمٌ وغيره على مالك بالوهم فيه. ومثال ما انفرد به ثقة لا يحمل تفرده: حديث أبي زكير يحيى بن محمَّد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ﵂ مرفوعًا: «كُلوا البَلح بالتَّمر … » الحديث، تفرَّد به أبو زُكيرٍ، وهو شيخٌ صالحٌ، أخرج له مسلمٌ في «صحيحه»، غير أنَّه لم يَبلغ مَبلَغ من يُحمَل تفرده، وقد ضعَّفه ابن معينٍ وابن حبَّان، وقال ابن عديٍّ: أحاديثه مستقيمةٌ سوى أربعةٍ عَدَّ منها هذا.
والمضطرب: ما رُوِيَ على أوجهٍ مختلفةٍ متدافعةٍ على التَّساوي في الاختلاف
المهملة وفتح اللام مصغرًا و (رَبَاح) بفتح الراء والموحدة.
قوله: (زِيَادَةُ ثِقَةٍ … ) إلى آخره؛ أي: والزيادة من الثقة عندهم مقبولةٌ.
قوله: (الذِي لَا يُعْرَفُ … ) إلى آخره؛ أي: إنَّ الحديث المُنكر هو الذي انفرد بروايته راوٍ من الرواة بحيث لا يُعرف من غير روايته لا من الوجهِ الذي رواه ولا من غيره، قلت: ظاهر إطلاقه أنَّ رواية المذكور أعمُّ من أن يكون ثقةً أم لا، ضدَّ ما تقدمَ عن الخليلي، فيكون المنكر حينئذ أعمَّ من الشاذ، وهو قولٌ أشار إليه في حواشي «شرح البيقونية».
وقيل: إنَّهما بمعنى واحد، وهو ما يُفهم من كلام ابن الصلاح الذي أوردهُ الشارح هنا وهناك، وقيل: إنهما متباينان، فالشاذ رواية ثقة والمنكر رواية ضعيف، وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام قال: وقد غَفل من سوَّى بينهما، وإلى نحو ذلك ذهب ابن حجر حيث قال ما حاصله: إنَّه إن خُولف الراوي المقبول بأرجح منه لمزيدِ ضبطٍ أو عددٍ أو غير ذلك من الصفات المُرجحة، فالراجح يُقال له: المحفوظ، والمرجوح يقال له: الشاذ، وإن وقعت المخالفة مع الضعف فالراجحُ يقال له: المعروف، ومقابله: المنكر، فالنسبة بين الشاذ والمنكر التباين الكلي، لا التساوي ولا التباين الجزئي؛ أي: عموم وخصوص مطلق أو وجهي، إذْ لا يَصدُق الشاذ على شيءٍ من أفراد المنكر، كما أن المنكر لا يصدق على شيء من أفراد الشاذ؛ لأنَّه ما خالفَ فيه الثقة مَن هو أحفظ منه أو تفرَّدَ به قليلُ الضبط كما مرَّ، والمُنكر ما خالف فيه المستور أو تفرد به الضعيف الذي لا ينجبر بالمتابعة. انتهى.
وبما ذكر تَعرف تفسيرَ المحفوظ والمعروف وهما ممَّا أهمله الشارح.
قوله: (قال البَرْدِيْجِي) كذا في نسختنا بدون ضمير، والصواب: (قاله البرديجي) كما في بعض النسخ الضَّمير لما تَقدَّم من تعريف المنكر؛ فهو للحافظ البَرديجي، وأما حكاية التفصيل عن ابن الصلاح فمن قِبَلِ الشارح، والبَرْدِيْجِي بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الدال المهملة بعدها تحتية وجيم، نسبة إلى بَرْدِيج، قرية بأذربيجان، ويقال: البردعي أيضًا، نسبة إلى بردعة، بإهمال الدال، قرية قرب برديج.
قوله: (التَّفْصِيْلُ الذِيْ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِيْ الشَّاذِّ) هو أنَّه إن كان الثقة بتفرُّدِهِ مُخالفًا أحفظَ منه وأضبطَ كان ما انفرد به شاذًا مردودًا، وإن لم يخالفْ؛ فإن كان عدلًا حافظًا موثوقًا به كان تفرده صحيحًا، وإن لم يوثق بحفظه، ولكن لم يبعد عن درجة الضابط، كان ما انفرد به حسنًا، وإن بَعُدَ كان شاذًا مُنكرًا مردودًا، قال السيوطي: وهذا التفصيل مبني على ترادف الشاذ والمنكر، وقد علمت أن الراجح خلافه. انتهى.
قوله: (غَيْرَهُ)؛ أي: مِمَّن رواهُ من أصحاب الزهري، فإنَّ كلَّ مَن رواه منهم قال بفتحها، وفي التمثيل بهذا الحديث نظرٌ؛ لأنَّه ليس بِمُنْكَرٍ ولم يطلق عليه أحد اسم النكارة كما ذكره العراقي، وغايته أن يكون سنده مُنكرًا أو شاذًّا، ولا يلزمُ من شذوذ السند ونكارته وجود ذلك الوصف في المتن، كما أنَّ العلة الواقعة في السند قد لا تقدح في المتن، فالمثال الصحيح لهذا القِسم ما رواه همام، عن ابن جُريج، عن الزهري، عن أنس قال: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاْءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ»، قال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنَّما يُعرف عن ابن جُريج، عن الزهري، عن أنس: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ»، قال: والوَهَمُ فيه من همام، ولم يروه إلَّا هو، قال النسائي: وهو ثقة احتجَّ بهِ أهلُ الصحيح، ولكنه خالف الناس فروى عن ابن جُريج هذا المتن، وإنَّما روى الناس عن ابن جُريج ما سبق. انتهى.
وتركَ الشارحُ المتروكَ: وهو ما انفرد بروايته واحدٌ مجمعٌ على ضعفهِ لكونه متهمًا بالفسق أو الكذب في كلامه وإن لم يظهر وقوع ذلك منه في الحديث، وبهذا يُفارق المُنكر وهو كالموضوع لكنهُ أخفُّ منهُ.
قوله: (أَبِي زُكَيْرٍ) بضم الذال مصغرًا، آخره راء، واسمه يحيى.
قوله: (الْحَدِيْث) تتمته: «فَإِنَّ [ابن] آدَمَ إِذَا أَكَلَهُ غَضِبَ الشَّيْطَانُ وقال: عاشَ ابن آدم حتى [أكل] الجَدِيْدَ بِالْخَلَقِ»، و (الخَلَق) بفتحتين: القديم.
قوله: (غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ … ) إلى آخره؛ أي: لم يبلغ بتخريج مسلم له المستلزم لتعديله رتبةَ مَن يُحتمل تفرُّدُهُ، قلت: وكذلك معنى الحديث رقيق لا ينطبق على محاسن الشريعة؛ لأنَّ الشيطان لا يغضب من مجردِ حياةِ ابن آدم، بل من حياته مُسْلِمًا مُطيعًا لله.
قوله: (وَالْمُضْطَرِبُ) من الاضطراب وهو الاختلاف، وهو نوع من المُعلَّل.
قوله: (مَا رُوِيَ … ) إلى آخره؛ أي: الحديث الذي رواه راوٍ واحدٍ أو جماعة … إلى آخره.
قوله: (مُتَدَافِعَةٍ)؛ أي: متخالفةٍ يَدفع بعضُهَا بعضًا في المعنى.
قوله: (عَلَى التَّسَاوِي فِي الاخْتِلَاْفِ) متعلقٌ برُويَ، قيدٌ في تسميته مضطربًا، فلا يكونُ مضطربًا إلَّا إذا تساوت الروايات المختلفة فيه في الصِّحة بحيثُ لم تترجح إحداهما