للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حديثٌ حسن الإسناد أو صحيحه؛ فهو دون قولهم: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ أو حديثٌ حسنٌ؛ لأنَّه قد يصحُّ أو يحسُنُ الإسناد؛ لاتِّصاله وثِقَةِ رواته وضبطِهم دون المتن؛ لشذوذٍ أو علَّةٍ، وما قِيلَ فيه: حسنٌ صحيحٌ،

إذ المعتبر فيه الضَّبط التَّامُّ، وفي الحسن أصل الضَّبط، واعلم أنَّ الحسن بقسميه يشارك الصَّحيح في الاحتجاج والعمل به عند جميع الفقهاء وأكثر المحدثين وإن كان دونه في القوَّة ولهذا أدرجه جماعة في نوع الصَّحيح كالحاكم وابن حبَّان، لكن مَن سمَّاه صحيحًا لا يُنكر أنَّه دونه بدليل تقديم الصَّحيح عليه عند التَّعارض فحينئذ يكون الخلاف لفظيًّا، فمن جعله من الصَّحيح أراد في الاحتجاج والعمل، ومن أخرجه منه أراد أنَّ رتبته أقلُّ من رتبته.

ويُشارك الصَّحيح أيضًا في تفاوت رتبه، فمن الرُّتبة العُليا سندًا ما قاله الحافظ الذَّهبيُّ: إنَّ أعلى مراتب الحسن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فإنَّ عدَّةً من الحُفَّاظ يصفون هذه الطَّريق بأنَّها من أدنى مراتب الصَّحيح، ورويَ منها قوله : «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كل صَلَاةٍ» رواه التِّرمذيُّ.

تنبيهان:

الأوَّل: إذا كانَ راوي الحديث متأخِّرًا عن درجة الحافظ الضَّابط مع كونه مشهورًا بالصِّدق والسَّتر حتَّى يكون حديثه حسنًا فرُويَ حديثه من وجه آخر ولو واحدًا قَوِيَ بالمتابعة وانجبر ذلك النَّقص اليسير، وارتفع من درجة الحسن إلى درجة الصَّحيح وهو الصَّحيح لغيره، وذلك كحديث محمَّد بن عمرو المتقدِّم؛ فإنَّ محمَّد بن عمرو من المشهورين بالصِّدق لكنَّه لم يكن من أهل الإتقان حتَّى ضعَّفه بعضهم؛ من جهة سوء حفظه، ووثَّقه بعضهم؛ لصدقه وجلالته فحديثه من ذلك الوجه حسن، وانضمَّ إلى ذلك كونه رُوي من وجه آخر عن أبي هريرة فرواه الشَّيخان من طريق الأعرج عن أبي هريرة فحكمنا بصحَّته فهو صحيحٌ لذاته من طريق الشَّيخين صحيح لغيره من طريق محمَّد؛ نظرًا لجبره بوروده من طريق غيره، وحسنٌ لذاته من طريقه بقطع النَّظر عن جبره بغيره.

الثَّاني: اشتُهر أنَّ الأحاديث الضعيفة يقوِّي بعضها بعضًا، وأنَّه يتحصَّل من مجموعها أنَّ الحديث

يصير حسنًا. وليس على إطلاقه؛ بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصَّدوق الأمين زال لمجيئه من وجه آخر موافق له، وعرفنا أنَّه لم يختلَّ فيه ضبطه وصار الحديث حسنًا بذلك وهو الحسن لغيره، وكذا ما كان ضعفه لإرسالٍ أو تدليسٍ أو جهالةِ رجالٍ زال بمجيئه من وجه آخر وكان دون الحسن لذاته، وأمَّا الضَّعيف لفسق الرَّاوي أو كذبه فلا يؤثِّر فيه موافقة غيره له إذا كان الآخر مثله؛ لقوة الضَّعف وتَقَاعُد هذا الجابر، نعم؛ يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكرًا أو لا أصل له.

قال شيخ الإسلام: بل ربَّما كَثُرَت الطُّرق حتَّى أوصلته إلى درجة المستور والسَّيِّئ الحفظ، بحيث إذا وُجد له طريق آخر فيه ضعفٌ قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن.

قوله: (حَسَنُ الإِسْنَادِ أَوْ صَحِيْحِهِ)؛ أي: بإضافة الحُسن أو الصِّحة إلى الإسناد.

وقوله: (فَهُوَ دُوْنَ قَوْلِهِم: حَدِيْثٌ حَسَنٌ … ) إلى آخره؛ أي: كلٌّ منهما أدنى من كلٍّ منهما، وكذا لو قيل صحيح حسن الإسناد، بأنَّ وصف الإسناد بكلٍّ من الصِّحة والحُسن على ما جرى عليه شيخ الإسلام فيما يأتي في الحديث الصَّحيح الحسن إذا كان له طريق واحد وعُلم أنَّ كلًّا ممَّا ذكر أدنى من قولهم: صحيح الإسناد، فالحاصل أنَّه قد يُضاف إلى الإسناد الصِّحة وحدها أو الحسن وحده أو كلاهما، وكذلك إلى الحديث، فما أضيف إلى السَّند بأقسامه الثَّلاثة أدنى من كلٍّ ممَّا أضيف إلى الحديث.

قوله: (دُوْنَ المَتْنِ) قال ابن الصَّلاح: لكن إذا اقتصر الحاكم المعتمد على قوله: (صحيح الإسناد) ولم يذكر له؛ -أي: للمتن- علَّة، فالظَّاهر منه الحُكم بأنَّه صحيح في ذاته؛ لأنَّ عدم العلَّة هو الأصل، قال شيخ الإسلام: والَّذي لا أشكُّ فيه أنَّ الإمام منهم لا يَعدل عن قوله: (صحيح) إلى قوله: (صحيح الإسناد) إلَّا لأمرٍ ما. انتهى.

قال العراقيُّ: ومثل ذلك يُقال فيما لو اقتصر على قوله: (حسن الإسناد) ولم يعقبه بضعيف، فهو أيضًا محكوم له بالحسن.

قوله: (دُوْنَ المَتْنِ)؛ أي: لشذوذٍ أو علَّةٍ فيه، وكذلك قد يصحُّ المتن دون السَّند بأن يجيء المتن من طريق آخر سالم ممَّا في هذا الطَّريق، كما في «شرح المشكاة»، ولا يختصُّ ذلك بالصَّحيح ولا بالحسن بل يجري في الضَّعيف أيضًا كما قاله الزركشيُّ في «نُكته»، فلا تلازم بين السَّند والمتن في الصِّحة وغيرها، فإذا قالوا: هذا إسناد صحيح أو حسن أو ضعيف. فلا يلزم منه صحَّة المتن ولا ضعفه وبالعكس، وكذا يقال في سائر الأنواع؛ وذلك؛ لأنَّها إمَّا أن تكون صفة للسَّند كالمُعضل والمنقطع والمعلَّق والمتَّصل والمسلسل، وإمَّا أن تكون من أوصاف المتن كالمرفوع والمقطوع والمسند والموقوف والمرسل والمتواتر والمشهور، وإمَّا أن

<<  <   >  >>