وتقاربهما في الوفاة.
وأمَّا علَّة المتن فكحديث مسلمٍ من جهة الأوزاعيِّ عن قتادة: أنَّه كتب إليه يخبره عن أنسٍ أنَّه حدَّثه أنَّه قال: «صلَّيت خلفَ النَّبيِّ ﷺ وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ، فكانوا يستفتحون بـ: الحمد لله ربِّ العالمين، لا يذكرون ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ في أوَّل قراءةٍ ولا في آخرها»، فقد أعلَّ الشَّافعيُّ ﵁ وغيره هذه الزِّيادة التي فيها عدم البسملة، بأنَّ سبعةً أو ثمانيةً خالفوا في ذلك، واتَّفقوا على الاستفتاح بـ «الحمد لله رب العالمين»، ولم يذكروا البسملة والمعنى: أنَّهم يبدؤون بقراءة أمِّ القرآن قبل ما يُقرَأ بعدها، ولا يعني أنَّهم يتركون البسملة. وحينئذٍ فكأنَّ بعض رواته فَهِمَ من الاستفتاح نفيَ البسملة، فصرَّح بما فهمه، وهو مخطئٌ في ذلك، ويتأيَّد بما صحَّ عن أنسٍ أنَّه سُئِل: «أكان النبي ﷺ يستفتح بـ ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أو بـ ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾؟ فقال للسَّائل: إنَّك لتسألني عن شيءٍ ما أحفظُه، وما سألني عنه أحدٌ قبلَك»، على أنَّ قتادة وُلِدَ أكمه، وكاتبه لم يعرف، وهذا أهمُّ في التَّعليل، وهذا من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقِّها، ولا يقوم به إلَّا ذو فهمٍ ثاقبٍ، وحفظٍ واسعٍ، ومعرفةٍ تامَّةٍ بمراتب الرُّواة، ومَلَكَةٍ قويَّةٍ بالأسانيد والمتون، وقد تقصرُ عبارةُ المعلِّل عن إقامة الحجَّة على دعواه؛ كالصَّيرفيِّ في نقد الدِّينار والدِّرهم.
والفرد: يكون مطلقًا؛ بأن
فيه الاختلاف تعيينُ واحدٍ من ثقتين كما مثَّل به الشارح من حديث «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ»، حيث رواه يَعلى بن عُبيد، عن الثَّوري، عن عَمرو بن دينار، عن ابن عمر، فقد صَرَّحَ النُّقاد بِوَهْمِهِ على الثوري، والمعروف من حديثه عن عبد الله بن دينار لا عمرو بن دينار، لكن هذه العلة لا تقدح في المتن؛ لأنَّ عبد الله وعمرًا كلاهما ثقةٌ.
قوله: (وَأَمَّا عِلَّةُ المَتْنِ)؛ أي: القادحة فيه.
قوله: (بِأَنَّ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً)؛ أي: مِمَّنْ رَوى هذا الحديث عن أنس منهم سفيان بن عيينة والفزاري والثقفي، والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحدٍ.
قوله: (وَلَمْ يَذْكُرُوا البَسْمَلَةَ)؛ أي: فلم يقولوا كما قال هذا الراوي: (لا يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم) بل اقتصروا على قوله (فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بـ ﴿الْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢])، قال الدَّارقطني: وهذا هو المحفوظ عن قَتَادة وغيره، عن أنس، قال البيهقي: وكذلك رواهُ عن قتادة أكثرُ أصحابه كأيوب وشُعبة والدَّسْتُوَائي وشيبان وسعيد بن [أبي] عروبة وأبي عَوانة وغيرهم، قال ابن عبد البر: فهؤلاء حُفَّاظُ أصحابِ قَتادة، وليس في روايتهم لهذا الحديث ما يُوجب سقوط البسملة، وهذا هو اللفظ المتفق عليه في الصحيحين وهو رواية الأكثرين.
قوله: (وَالْمَعْنَى … ) إلى آخره؛ أي: معنى رواية أولئك الجمهور من قولهم: (فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بـ ﴿الْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾) وهذا ما أَوَّلَ بِهِ الشَّافعي ﵁، وقد ورد التَّصريحُ بهِ في رواية الدَّارقُطني بسندٍ صحيحٍ بلفظ: (فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِأُمِّ القُرْآنِ).
قوله: (وَيَتَأَيَّدُ)؛ أي: ما ذُكر من أنَّ أنسًا لم يروِ نفيَ البسملة، وأنَّ الذي زاد ذلك في آخر الحديث رَوى بالمعنى بحسبِ ما فَهِمَ فأخطأَ.
وقوله: (بِمَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ)؛ أي: فيما أخرجهُ أحمد وابن خُزيمة بسنده على شرط الشيخين وأورد عليه أن من حفظه عنه حجةٌ على من سأله في حالِ نسيانه، وأجاب: أبو شامة بأنهما مسألتان فسؤال أبي سلمة عن البسملة وتَرْكِهَا، وسؤال قَتادة عن الاستفتاح بأي سورةٍ.
قوله: (عَلَى أَنَّ قَتَادَةَ … ) إلى آخره، هذه علاوةٌ مُبْدِيَة لعلةٍ أخرى قادحة أيضًا؛ وذلك أنَّه حيثُ كان أَكْمَهَ فلا بُدَّ أن يكون أملى مَنْ كَتَبَ إلى الأوزاعي، وهذا الكاتبُ لم يُسَمَّ فيُحتمل أن يكونَ مجروحًا أو غير ضابطٍ فلا تقومُ به الحُجَّةُ مع ما في أصلِ الرِّوايةِ بالكتابة من الخلاف، وأن بعضهم يرى انقطاعها كما سيأتي، فالحديثُ معلَّلٌ أيضًا بعِلَلٍ أُخْرَى غير المخالفة، وهي الكتابة وجهل الكاتب كما هو معلَّل بالإدراج والمُخالفة من الحفاظ والأكثرين.
قال العراقي: وقول ابن الجوزي: إنَّ الأئمة اتفقوا على صحته، فيه نظرٌ، فهذا الشافعي والدارقطني والبيهقي لا يقولون بصحته. انتهى.
فلم يثبت نفي البسملة بطريقٍ صحيحٍ، وقد ورد ثبوت قراءتها في الصلاة عنه ﷺ من حديث أبي هريرة من طرقٍ عند الحاكم وابن خُزيمة والنَّسائي والدَّارقُطني والبَيهقي والخطيب، ومن حديث ابن عباس عند الترمذي والحاكم والبيهقي، وعن عثمان وعلي وعمار بن ياسر وجابر ابن عبد الله والنُّعمان بن بشير وابن عمر وعائشة عند الدَّارقُطني، وأم سَلمة عند الحاكم وجماعة من المهاجرين والأنصار عند الشافعي، فبلغَ ذلكَ مبلغ التواتر، وقد بيَّنَ طُرُقَ هذهِ الأحاديث الحافظ السيوطي في «الأزهار المتناثرة» فلم يبقَ مع ذلك ريبةٌ في ثبوتها.
قوله: (وَهَذَا أَهُمُّ فِيْ التَّعْلِيْلِ) المتبادرُ أنَّ اسمَ الإشارةِ راجعٌ إلى الجهل بحال الكاتبِ، وأنَّ المراد أن تعليلَ الحديث بالكتابةِ وجهلِ الكاتب أهم من تعليله بغير ذلك من مخالفة الأكثر مثلًا، ولينظر وجهُ الأهميةِ، ولعلَّه لأنَّ فيه عِلَّتين، وللاتفاق على الردِّ بالجهل وتضعيف رواية المجهول.
قوله: (وَهَذَا مِنْ أَغْمَضِ أَنْوَاعِ الحَدِيْثِ) الإشارةُ إلى التعليل من حيث هو، وإنَّما كان مِن أغمضها وأدَقِّها لأنَّه لا يُعرف إلَّا بجمع طرق الحديث والبحث عنها والنظر في اختلاف رواته وضبطهم وإتقانهم.
قوله: (إِلَّا ذُوْ فَهْمٍ ثَاقِبٍ) قال في «شرح التقريب»: ولهذا لم يتكلم فيه إلَّا القليل كابن المديني وأحمد والبخاري ويعقوب بن شَيبة وأبي حَاتِم وأبي زُرعة والدَّارقطني.
قوله: (كَالْصَيْرَفِيِّ … ) إلى آخره، روي عن ابن مهدي أنَّه قيل له: إنك تقول للشيء: هذا صحيح، وهذا لم يثبت عَمَّنْ تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيتَ الناقد فأريته دراهمك، فقال: خذ هذا جيد وهذا رديء، أكنت تسأله عَمَّنْ ذلك أو تُسلِّم له؟ قال: بل أُسلِّم له، قال: فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة.
وقد قسم الحاكم العلل إلى عشرة أقسام ولخَّصَها الجلال في «شرح التقريب»، فانظره.
قوله: (الفَرْد … ) إلى آخره، وجهُ التسمية فيه ظاهرٌ.
قوله: (يَكُوْنُ مُطْلَقًا … ) إلى آخره؛ أي: إنَّه ينقسم إلى قسمين: فردٌ مُطلقٌ؛ بأن ينفردَ بهِ راوٍ واحد عن كلِّ أحدٍ، وفردٌ نسبي؛ أي: بالنسبة إلى جهة خاصة وهو أقسام ثلاثة: