الحسين بن إسماعيل المحامليُّ ببغداد، ولكن لم يكن عنده «الجامع الصَّحيح»، وإنَّما سمع منه مجالسَ أملاها ببغداد في آخر قدمةٍ قدمها البخاريُّ، وقد غلط من روى «الصَّحيح» من طريق المحامليِّ المذكور غلطًا فاحشًا.
ومن رواة «الجامع الصَّحيح» ممَّن اتَّصلت لنا روايته بالإجازة: إبراهيم بن معقلٍ النَّسفيُّ الحافظ، وفاتَهُ منه قطعةٌ من آخره رواها بالإجازة، وتُوفِّي سنة أربعين ومئتين. وكذلك حمَّاد بن شاكر النَّسَويُّ؛ بالنُّون والمهملة، وأظنُّه تُوفِّي في حدود التِّسعين، وله فيه فوتٌ أيضًا.
واتَّصلت لنا روايته من طريق المُستملي والسَّرخسيِّ والكُشْمِيهَنِيِّ وأبي عليِّ بن السَّكن الأَخْسِيكَثِيِّ، وأبي زيدٍ المروزيِّ وأبي عليِّ بن شبويه وأبي أحمد الجرجانيِّ والكشانيِّ، وهو آخر من حدَّث عن الفَِرَبْريِّ بالصَّحيح؛ فأمَّا المُستملي: فرواه عنه الحافظ أبو ذرٍّ وعبد الرَّحمن الهَمْدانيُّ، وأمَّا السَّرخسيُّ: فأبو ذرٍّ أيضًا وأبو الحسن الدَّاوديُّ، وأمَّا الكُشْمِيهَنِيُّ: فأبو ذَرٍّ أيضًا وأبو سهلٍ الحفصيُّ وكريمة، وأمَّا أبو عليِّ بن السَّكن: فإسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الصَّفَّار، وأمَّا أبو زيدٍ المروزيُّ: فأبو نُعيمٍ الحافظ وأبو محمَّدٍ عبد الله بن إبراهيم الأَصيليُّ وأبو الحسن عليُّ بن محمَّدٍ القابسيُّ، وأمَّا ابن شبويه: فسعيد بن أحمد بن محمَّدٍ الصَّيرفيُّ العيَّار، وعبد الرَّحمن بن عبد الله الهَمْدانيُّ أيضًا، وأمَّا الجرجانيُّ: فأبو نُعيمٍ والقابسيُّ أيضًا، وأمَّا الكشانيُّ: فأبو العبَّاس جعفر بن محمَّدٍ المستغفريُّ فمشايخ أبي ذرٍّ ثلاثةٌ: المُستملي والكُشْمِيهَنيُّ والسَّرخسيُّ، ومشايخ أبي نُعيمٍ: الجرجانيُّ وأبو زيدٍ المروزيُّ، وأمَّا الأَصيليُّ والقابسيُّ؛ فكلاهما عن أبي زيدٍ المروزيِّ، وأمَّا العيَّار: فابن شبويه، وأمَّا الدَّاوديُّ: فالسَّرخسيُّ، وأمَّا الحفصيُّ وكريمة: فالكُشْمِيهَنِيُّ، وأمَّا المستغفريُّ: فالكشانيُّ، وكلُّهم عن الفَِرَبْرِيِّ. ويأتي -إن شاء الله تعالى- قريبًا أسانيدي بـ «الجامع الصَّحيح» متَّصلةً بهم، على وجهٍ بديعٍ جامعٍ بعون الله تعالى.
وقد اعتنى الحافظ شرف الدِّين أبو الحسن (١) عليٌّ ابن شيخ الإسلام ومحدِّث الشَّام تقيِّ الدِّين محمَّد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله اليونينيُّ الحنبليُّ رحمه الله تعالى بضبط رواية «الجامع الصَّحيح»، وقابل أصله الموقوف بمدرسة أقبغا آص بسُويقة العزَّى خارج باب زُوَيْلة من القاهرة المُعزيَّة، الذي قِيلَ -فيما رأيته بظاهر بعض نسخ البخاريِّ الموثوق بها وقفٌ مقرُّها برواق الجبرت من الجامع الأزهر بالقاهرة-: إنَّ أقبغا بذل فيه نحو عشرة آلاف دينارٍ، والله أعلم بحقيقة ذلك، وهو في جزأين؛ فُقِدَ الأوَّل منهما، بأصلٍ مسموعٍ على الحافظ أبي ذرٍّ الهرويِّ، وبأصل مسموعٍ على الأَصيليِّ، وبأصل الحافظ مؤرِّخ الشَّام أبي القاسم ابن عساكر، وبأصلٍ مسموعٍ على أبي الوقت، وهو أصلٌ من أصول مسموعاته في وقف خانكاه السُّمَيْساطيِّ بقراءة الحافظ أبي سعيدٍ عبد الكريم بن محمَّد بن منصورٍ السَّمعانيِّ بحضرة سيبويه وقته الإمام جمال الدِّين ابن مالكٍ بدمشق سنة ستٍّ وسبعين وستِّ مئةٍ، مع حضور أصلَي سماعَي الحافظ أبي محمَّد المقدسيِّ وقف السُّميساطيِّ، وقد بالغ - رحمه الله تعالى - في ضبط ألفاظ «الجامع الصَّحيح» جامعًا فيه روايات من ذكرناه، راقمًا عليه ما يدلُّ على مراده، فعلامة أبي ذَرٍّ الهرويِّ (٥)، والأَصيليِّ (ص)، وابن عساكر الدِّمشقيِّ (ش)، وأبي الوقت (ظ)، ولمشايخ أبي ذَرٍّ الثَّلاثة الحَمُّويي (ح)، والمُستملي (ست)، والكُشْمِيهَنيِّ (هـ)، فما كان من ذلك بالحمرة؛ فهو ثابتٌ في النُّسخة
عدلٌ من جرحه.
قوله: (وَلَهُ فِيْهِ فَوْتٌ)؛ أي: فائتٌ؛ أي: فاته منه شيءٌ كإبراهيم.
قوله: (والسَّرَخْسِي) بتشديد السين المهملة والراء المفتوحتين والخاء المعجمة الساكنة ثم سين مهملة مكسورة.
قوله: (وَالكُشْميْهَنِي) بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وفتح الميم وإسكان الياء التحتية وفتح الهاء.
قوله: (ابْنُ السَّكَن) بفتح السين والكاف.
وقوله: (الأَخْسِيْكَثِي) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وسكون التحتية وفتح الكاف ثم مثلثة، نسبةً إلى أخسيكث مدينة على شاطئ نهر الشاش من بلاد فرغانة، كما في «اللب».
قوله: (ابْنُ شَبُّوْيَهْ) بشين معجمة مفتوحة فموحدة مضمومة مشددة فواو ساكنة فمثناة تحتية مفتوحة آخره هاء ساكنة، على نسق ما تقدم من الأعلام الفارسية.
قوله: (وَالكُشَّانِي) بالشين المعجمة المشددة بعد الكاف المضمومة، نسبة إلى كُشَّانِية بلدٌ بصغد.
قوله: (العَيَّار) بعين مهملة مفتوحة ومثناة تحتية مشددة، آخره راء.
قوله: (اليُوْنِيْنِي) نسبة إلى يونين من قرى بعلبك، وهو الفقيه الحافظ أبو محمد بن أبي الحسن أحمد بن عبدة بن عيسى بن أحمد بن علي البعلبكي، ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمئة، وسمع من الكندي وغيره، وكان إمامًا حافظًا لم يَرَ في زمانه مثل نفسه، جامعًا بين الشريعة والحقيقة، حفظ صحيح مسلم في أربعة أشهر، وكان يحفظ أكثر مسند أحمد، وكان بارعًا في الخط وغيره، مات سنة ثمان وخمسين وستمئة كما رأيته بخطِّ صاحبنا الهُمام الفاضل الشيخ يوسف أفندي الدِّمْيَاطي نزيلِ القَسْطَنْطِيْنِيَّة المَحمية.
قوله: (الأَرْتَاحِي) بفتح الهمزة وسكون الراء بالفوقية والحاء المهملة نسبة لأرتاح، وهو حصن منيع.
قوله: (الجَيَّانِي) بالجيم المفتوحة والتحتية المشددة ثم النون، نسبةً لجيان كشداد، بلد بالأندلس منها أبو حيَّان أيضًا.
قوله: (بَخَانْكَاه السُّمَيْسَاطِي) الخانكاه بالكاف والقاف: معبد الصوفية؛ أي: الزاوية التي يتعبدون فيها، والخانكاه المذكورة قد اندرست الآن، والسمسياطي بضم السين المشددة وفتح الميم وسكون الياء بعدها سين مهملة أيضًا وبعد الألف طاء، نسبة إلى سميساط من بلاد الشام.
قوله: (وَأَبَا الوَقْتِ ظ) لم يظهرْ لي ما وجهُ
(١) قوله: (علي. . .) الخ، ولد في رجب سنة ٦٢١ وتوفي سنة ٧٠١، والذي تقدم ذكره عن المحشِّي فهو غيره؛ لأنه ولد سنة ٥٧٥ وتوفي سنة ٦٥٨ كما هو مذكور في طبقات الحفاظ للسيوطي