أو قرأ غيره على الشَّيخ، وهو يسمع ويقول فيه عند الأداء: أخبرنا، والأحوط الإفصاح فإن قرأ بنفسه؛
كلٍّ من هذه الصور الأربع حَفِظَ الشيخُ ما قُرئ عليه أم لا، إذا أمسك أصله هو أو ثقة غيره.
قال العراقي: وهكذا إن كان ثقةٌ من السامعين يحفظ ما قرئ وهو مستمع غير غافل فذلك كافٍ أيضًا، ورجَّحَ شيخ الإسلام الإمساك في الصور كلها عن الحفظ، قال: لأنَّه خوَّان.
وشرطَ الإمامُ أحمد في القارئ أن يكون ممنْ يعرف ويفهم، وإمام الحرمين في الشيخ أن يكون بحيثُ لو عرض من القارئ تحريفٌ أو تصحيف لرَدَّهُ، وإلا فلا يصح التحمل بها، والصحيح أنَّ السماع من لفظ الشيخ أعلى من القراءة عليه، لكن اختار شيخ الإسلام أنَّ محله إذا استوى الشيخ والطالب أو كان الطالب أعلم؛ لأنَّه أوعى لما يسمع، أما إن كان مفضولًا فقراءته أولى؛ لأنها أضبط له، قال: ولهذا كان السماع من لفظه في الإملاء أرفع الدرجات؛ لما يلزمُ منه من تحريرِ الشيخ والطالب.
قوله: (أَوْ قَرَأَ غَيْرُهُ … ) إلى آخره، قال الجلال: صرَّحَ كثيرون بأن القراءة بنفسه أعلى مرتبة من السماع لقراءة غيره. انتهى.
وقال الزركشي: القارئُ والمستمع سواء، أقولُ: الظاهر أخذًا من كلام شيخ الإسلام السابق ما ذكره الجلال، وعليه فتكون هذه المرتبة متفاوتة؛ كما تفاوتت الأولى بالإملاء وغيره على ما سبق عن شيخ الإسلام أيضًا.
قوله: (وَيَقُوْلُ فِيْهِ)؛ أي: في النوع الثاني؛ أي: القراءة على الشيخ الذي أسقطه خلافًا لما يُوهمه صنيعه من أنَّه يقول ذلك؛ أي: (أخبرنا) في الأداء بالسماع من لفظ الشيخ؛ إذ ذلك كما عرفت يقول فيه: (حدَّثنا أو حدَّثني) بناء على الشائعِ بين أهل الحديث من الفرق بينهما وتخصيص الأولى بمادة التحديث والثانية بمادة الإخبار للتمييز بين النوعين، وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم والنسائي والجمهور، وجوَّزَ كلًّا في كلٍّ الزُّهري ومالك وأبو حنيفة والبخاري وغيرهم، فلا فرق عندهم بين (حدَّثنا) و (أخبرنا) في الأداء بالسماع والقراءة، فلعلَّ الشارح جرى على هذه الطريقة.
قوله: (وَالأَحْوَطُ الإِفْصَاحُ … ) إلى آخره، قال الحاكم: الذي أختارُه وعهدتُ عليه أكثرَ مشايخي وأئمة عصري أن يقول الراوي فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ: (حدَّثني) بالإفراد وفيما سمعه منه مع غيره (حدثنا) بالجمع، وفيما قرأه عليه بنفسه: (أخبرني) وفيما قُرِئَ على المحدِّث بحضرته: (أخبرنا).
قال ابن الصلاح: وهو حسنٌ. انتهى.
فإنْ شكَّ هل كان وحده حالة التحمل؟.
فالأصل عدم غيره فيقول: (حدَّثني أو أخبرني)، أو شك هل قرأ بنفسه أو سمع بقراءة غيره؟ فاستحسن الخطيب أن يقول: (قرأنا)؛ لأنَّه يُستعمل فيما قرأه غيره أيضًا، ثم التفصيل المذكور في ألفاظ الأداء مستحبٌّ باتفاقٍ لا واجبٌ، إنَّما لا يجوز إبدال حدثنا بأخبرنا، أو عكسه في الكُتب المؤلفة.
قوله: (قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ) ببناءِ قُرِئَ للمجهول، وعلى فلان جار ومجرور، وفلان كناية عن شيخه.
قال النووي: ويلي ذلك عبارات السماع مُقَيَّدَةً بالقراءةِ لا مُطلقةً، كحدثنا أو أخبرنا بقراءتي أو قراءة عليه. انتهى.
(فائدة): قول الراوي: (أخبرنا سماعًا أو قراءة) هو من باب قولهم: (أتيته سعيًا وكلَّمته مشافهة) وللنُّحاة فيه مذاهب:
أحدها: وهو رأي سيبويه أنها مصادر وقعت موقع فاعل حالًا كما وقع المصدر موقعه نعتًا في (زيدٌ عدل) وأنَّه لا يُستعمل منهما إلَّا ما سُمع لا يقاس، فعلى هذا استعمالُ الصيغة المذكورة في الرواية ممنوعٌ لعدم نُطق العرب بذلك.
الثاني: وهو للمُبرِّد أنها ليست أحوالًا بل مفعولاتٍ لفعل مُضمر من لفظها وذلك المضمور هو الحال؛ أي: فالتقدير: (أخبرني حال كوني قارئًا عليه قراءة أو سامعًا سماعًا)، وعليه تخرَّج الصيغة المذكورة، بل كلام أبي حيان في «تذكرته» يقتضي أنَّ (أخبرنا سماعًا) مسموعٌ، و (أخبرنا قراءة) لم يُسمع، وأنَّه يُقاس على هذا القول الثالث وهو للسِّيرَافي أنَّه من باب (جلست قعودًا) منصوب بالظاهر مصدرًا معنويًا.
قوله: (ثُمَّ الإِجَازَةُ المَقْرُوْنَةُ بِالمُنَاوَلَةِ) لو قال: ثمَّ المناولة المقرونة بالإجازة ثم المجرَّدَةُ عنها كما فعل غيره لكان أسبك وأسلك وأجمع وأجمل، فالمناولة التي هي من أقسام التحمل أعمُّ من أن تكون مقرونةً بإجازة أو لا، فهي القسم الثالث من أقسام التحمل المذكورة، والأصل فيها ما عَلَّقَهُ المصنف في العلم: «أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا، وقال: لَا تَقْرَأْهُ حتى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فلما بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِي ﷺ» قال السُّهَيْلي: احتجَّ به البخاري على صحةِ المُناولة، وكذلك العالم إذا ناول التلميذ كتابًا جاز له أن يروي عنه ما فيه، قال: وهو فقهٌ صحيحٌ، وفي «معجم البغوي» عن يزيد الرَّقاشي قال: كُنَّا إذا أكثرنا على أنس بن مالك أتانا بمَخالٍ له فألقاها إلينا، وقال: