قراءة سورة الصَّفِّ.
والغريب: ما انفرد راوٍ بروايته، أو برواية زيادةٍ
المتعلقة بها فيجب على كل راوٍ أن يُضيفه إلى زمانها.
ومثال الثالث: الحديثُ المسلسلُ بإجابةِ الدُّعاءِ في المُلتَزَم، فإجابة الدعاء وإن كانت وصفًا له تعالى إلَّا أنَّها متعلقة بمكان الرواية من حيث إنَّ الُمراد إجابة دعاءٍ واقعٍ في المُلتَزَم لا مطلقًا، فيلزم كل راوٍ أن يقيد بما ذكر.
ومثال الرابع: الحديث المسلسل بالآخرية ككون الراوي آخرَ من روى عن شيخه فيقول: (أخبرنا فلان وأنا آخر من روى عنه)، فقوله: (وأنا آخر … ) إلى آخره، وإن كان وصفًا مُتعلقًا بالراوي إلَّا أنَّه لَمَّا تعلَّقَ بتاريخِ الروايةِ عُدَّ من الأوصاف المتعلقة بها وكأنه يقول: روايتي وقعت في آخر أزمنة الرواية عنه، ولا يذهب عنك أن المراد بالوصف المتعلق بالتاريخ وصفٌ مخصوصٌ كالآخرية، فلا يقال إنَّ هذا متعلقٌ بزمنِ الرواية فهو تكرارٌ، ومن هذا القسم الحديث المسلسل بالأَوَّلية بمعنى أن كل راوٍ إنَّما يرويه عَمَّنْ لمْ يسمعْ منه شيئًا قبله من الأحاديث كحديث: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأرض يَرْحَمْكُمْ من في السَّمَاءِ»، فيقول الراوي: سمعته من شيخي فلان وهو أول حديث سمعته منه ويقول شيخه كذلك وهكذا إلى تمام السلسلة، لكن التسلسل فيه ينتهي إلى سفيان بن عيينة، وانقطعت فيمن فوقه، فانقطعت في سماع ابن عيينة من عمرو بن دينار، وفي سماع عمرو من أبي قابوس وفي سماع أبي قابوس من عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي سماع عبد الله من النَّبيِّ ﷺ.
قلت: وقد رويتُهُ عن عِدَّةِ أشياخ أجلُّهُم سيدي الشيخ عمر بن سودة الفاسي، وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدثنا به الشريف سيدي عبد السلام الآزمي الفاسي، عن ابن الطالب التاودي المري: حدثنا أحمد بن مبارك صاحب الإبريز: حدثنا سيدي حسن اليوسي: حدثنا العلامة الزرقاني صاحب التآليف الشهيرة، عن العلامة الأجهوري بسنده المتصل إلى [عبد الله بن] عمرو بن العاص، وذكره ثم قال فيه: «يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ﵎»، وقال: رويناه بالرفع والجزم، ويشهدُ لرواية الجزم أحاديث كقوله: «وَإِنَّمَا يَرْحَمُ الله من عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»، وحديث: «مِنْ لَاْ يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ». انتهى.
قوله: (قِرَاءَةُ سُوْرَةِ الصَّفِ)؛ أي: مُسلسل قراءةِ سورة الصَّفِ؛ وهو ما رواه عبد الله بن سلام قال: «قَعَدْنَا نَفَرًا من أَصْحَابِ رسول اللهِ ﷺ فَتَذَاكَرْنَا، فَقُلْنَا: لو نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَقْرَبُ إلى اللَّهِ تَعَالَى لَعَمِلْنَاهُ؟ فَأَنْزَلَ الله ﷿: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ١ - ٢]، قال عبد الله بن سلام: قَرَأَهَا عَلَيْنَا رسول اللَّهِ ﷺ هكذا، قَالَ أَبُوْ سَلَمَةَ: وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بن سَلَامٍ ﵁ هكذا، قال يحيى: وقَرَأَهَا عَلَيْنَا أبو سَلَمَةَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَقَرَأَهَا عَلَيْنَا يَحْيَى». انتهى.
قوله: (وَالْغَرِيْب … ) إلى آخره، سُمِّيَ بذلكَ لانفراد راويهِ عن غيره، كالغريب الذي شأنه الانفراد عن وطنه.
قوله: (مَا انْفَرَدَ رَاوٍ بِرِوَايَتِهِ)؛ أي: بأنْ رواهُ هُوَ وحده كُلًّا أو بعضًا، كما سيذكره الشارح، وقد قَسَمَ ابن سيد الناس الغريب إلى خمسة أقسام: غريبٌ سندًا ومتنًا، وسندًا لا متنًا، ومتنًا لا سندًا، وغريب بعض السند، وغريب بعض المتن.
فالأول: كحديث النهي عن «بَيْعِ الْوَلَاْءِ وَهِبَتِهِ» فإنَّه لم يصحَّ إلَّا من حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
الثاني: حديث رواه عبد المجيد [بن أبي] رواد، عن مالك ﵁، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النَّبيِّ ﷺ قال: «الْأَعْمَالُ بِالْنِّيَّةَ»، قال في «الإرشاد»: فقد أخطأ فيه عبد المجيد؛ لأنَّه غير محفوظ عن زيد بن أسلم، قال أبو الفتح اليعمري: هو إسنادٌ غريبٌ كله والمتن صحيح، وفي مثل ذلك يقول الترمذي: غريب من هذا الوجه.
والثالث: وفيه قال ابن الصلاح: لا يوجد أبدًا ما هو غريب متنًا لا سندًا إلَّا إذا اشتهر الحديث الفردُ عمن انفرد به؛ -أي: شهرة مطلقةً- بأن رواه عنه عدد كثير فإنَّه يصير غريبًا مشهورًا؛ -أي: غريبًا متنًا لا سندًا- لكن بالنظر إلى أحد طرفي السند فإن سنده غريب في طرفه الأول، مشهور في طرفه الأخير، كحديث: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فإنَّ الشُّهرة إنَّما طرأت له من عند يحيى بن سعيد، فقول ابن الصلاح: لا يوجد؛ أي: خارجًا وإن اقتضته القسمة العقلية، كما مرَّ عن ابن سيد الناس.
الرابع: حديث: «أم زَرْعٍ» المشهور، فإنَّ المحفوظ فيه ما رواه ابن يونس، عن هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة، عن أبيهما عن عائشة، ورواه الطبراني من حديث الدراوردي، عن هشام، عن أبيه بدون توسط أخيه. قال أبو الفتح: فهذه غرابةٌ تخص موضعًا من السند، والحديث صحيح.
الخامس: كحديث زكاة الفطر، وهو: «فرض رسول الله ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ من رَمَضَانَ صَاعًا من تَمْرٍ أو صَاعًا من شَعِيرٍ، على الْعَبْدِ والْحُرِّ والذَكَرِ