للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمشهور: وهو أوَّل أقسام الآحاد: ما له طرقٌ محصورةٌ بأكثرَ من اثنين، كحديث: «إنَّما الأعمال بالنِّيَّة» [خ¦١]، لكنَّه إنَّما طرأتْ له الشُّهرة من عند يحيى بن سعيدٍ،

ولكنه في مطلق الكذب، والخاصُّ بهذا المتن رواية بضعة وسبعين صحابيًّا، منهم العشرة المشهود لهم بالجنَّة. انتهى.

وقد قسم العلماء المتواتر إلى لفظيٍّ وهو ما اتَّفق رواته المذكورون في لفظه ولو حكمًا وفي معناه، ومعنويٍّ وهو ما اختلفوا في لفظه ومعناه مع رجوعه لمعنىً كليٍّ كما إذا نقل رجل عن حاتم مثلًا أنَّه أعطى جملًا وآخر أنَّه أعطى فرسًا وآخر أنَّه أعطى دينارًا وهلمَّ جرًّا، فيتواتر القدر المشترك بين أخبارهم وهو الإعطاء؛ لأنَّ وجوده مشترك بين جميع هذه القضايا.

فمثال ما تواتر لفظه ومعناه في الحديث: ما ذكره الشَّارح من حديث «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا … » إلى آخره، ومثله حديث: «رَفْعُ اليَدَيْنِ فِي الصَّلاةِ»، إذ رواه نحو خمسين صحابيًّا بلفظ واحد، وحديث «نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي» إذ رواه نحو ثلاثين صحابيًا، كذلك وحديث «مَنْ بَنَى لله مَسْجِدًا»، وحديث «بَشِّر المَشَّائِيْنَ إِلَى المَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِالنُّوْرِ التَّامِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وغير ذلك.

وهو كثيرٌ خلافًا لابن الصلاح إذ قال: المتواتر من الحديث قليلٌ لا يكاد يوجد في رواياتهم، ومثال ما تواتر معناه كحديث رفع اليدين في الدعاء، إذ روي فيه مئة حديث في قضايا مختلفة كلُّ قضيَّة منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها وهو الرَّفع عند الدُّعاء تواتر باعتبار المجموع.

(تنبيه) توهَّمَ بعضُ أفاضل العصر من قولهم في تعريف المتواتر: جمعٌ يؤمن تواطؤهم على الكذب أنَّه لا يكون إلَّا صحيحًا، وليس كذلك في الاصطلاح بل منهُ ما يكون صحيحًا اصطلاحًا بأن يرويه عدول عن مثلهم وهكذا من ابتدائه إلى انتهائه، ومنه ما يكون ضعيفًا كما إذا كان في بعض طبقاته غير عدلٍ ضابط فهذا ليس بصحيح اصطلاحًا، وإن كان صحيحًا بمعنى أنَّه مطابق للواقع باعتبار أمن تواطئ نقلته على الكذب وعبارة «التقريب» فيه صريحة فيما ذكرناه إذ جعله قسمًا من المشهور وقسمه إلى صحيح وغيره؛ أي: حسن وضعيف؛ فَتَبَصَّرْ.

قوله: (وَالْمَشْهُوْرِ … ) إلى آخره، سُمِّي بذلك؛ لشهرته ووضوحه، وسمَّاهُ جماعة من الفقهاء: المستفيض؛ لانتشاره من فاضَ الماءُ يفيض فيضًا، ومنهم من فَرَّقَ بينهما بأنَّ المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سواء، والمشهور أعمُّ من ذلك، ومنهم من عكس، وقد يراد به ما اشتهر على الألسنة وهذا يُطلق على ما له إسنادٌ واحد فصاعدًا، بل على ما لا يوجد له إسناد أصلًا.

وينقسم المشهور إلى صحيح بالمعنى الشَّامل للحسن كحديث «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ»، وحديث «ذِي اليَدَين في السَّهو»، وضعيفٍ كحديث: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ على كل مُسْلِمٍ»، وحديث: «إِحْيَاءُ أَبَوي النَّبيِّ حتى آمَنَا بِهِ» -فهو ضعيفٌ على الصَّواب لا موضوعٌ خلافًا لقوم، ولا صحيح خلافًا لآخرين- وموضوعٌ كما روي عن أحمد ابن حنبل أنَّه قال: أربعة أحاديث تدور في الأسواق عن رسول الله ليس لها أصل: «مَنْ بَشَّرَنِي بِخُرُوْجِ آذار بَشَّرْتُهُ بِالجَنَّةِ» و «مَنْ آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» و «يَوْمَ صَوْمِكُم يَوْمَ نَحْرِكُم» و «لِلْسَّائِلِ حَقٌ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ».

وينقسم من وجه آخر إلى مشهور عند أهل الحديث، ومشهور شهرة مطلقة؛ أي: عندهم وعند غيرهم، ومشهور عند العامَّة.

فالمشهور عند أهل الحديث خاصَّة كحديث أنس: «أَنَّ رسول اللَّهِ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو على رِعْلٍ وَذَكْوَانَ»، أخرجه الشَّيخان من رواية سليمان التَّيميِّ عن أبي مجلز عن أنس، ورواه عن أنس غير أبي مجلز، وعن أبي مجلز غير سليمان، وعن سليمان جماعة، وهو مشهور بين أهل الحديث، وقد يستغربه غيرهم؛ لأنَّ الغالب على رواية التَّيميِّ عن أنس كونها بلا واسطة.

والمشهور عندهم وعند غيرهم من العلماء والعامَّة «الْمُسْلِمُ من سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ من لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

والمشهور بين العامَّة فقط: «مَنْ دَلَّ على خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»، أخرجه مسلم، «مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ» صحَّحه ابن حبَّان والحاكم، «مَنْ بُوْرِكَ لَهُ فِي شَيءٍ فَلْيَلْزَمْهُ»، «أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُوْلِهِم» وهما ضعيفان، «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ» «كُنْتُ كَنْزًا لَا أُعْرَفُ» وهما باطلان لا أصل لهما.

قوله: (هُوَ أَوَّلُ أَقْسَامِ الآحَادِ) المرادُ بها ما يُقابل المتواتر، وإن رواه اثنان أو ثلاثة، وظاهر عبارته هذه أنَّ جميع أفراد المشهور أُحاديَّة وليس شاملًا للمتواتر، وتعريفه الآتي يقتضي شموله له وهو الواقع، فلعلَّ مراده بما هنا أنَّه أوَّل الأقسام الَّتي يتحقَّق فيها الآحاد وذلك لا ينافي أنَّه يتحقَّق فيها غيرها.

قوله: (بَأَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ) هذا هو المعروف كما قاله ابن الصَّلاح.

فما جرى عليه صاحب «البيقونيَّة» من أنَّه أكثر من ثلاثة إذ قال:

مشهور مرويٌّ فوق ما ثلاثة

مردودٌ، والأكثر من اثنين صادق بما بلغَ حدَّ التَّواتر وما لا، فينقسم المشهور إلى متواتر

<<  <   >  >>