ليبحث عن الرُّواة.
والمُدرَج: كلامٌ يُذكَر عقب الحديث متَّصلًا يوهم أنَّه منه، أو يكون عنده متنان بإسنادَين، فيرويهما بأحدهما، كرواية سعيد ابن أبي مريم: «لا تَباغضوا ولا تَحاسدوا ولا تَدَابروا ولا تَنافسوا»، أَدرج ابن أبي مريم: «ولا تنافسوا» من متنٍ آخر، أو يسمع حديثًا
وإن كان فيه كراهةٌ فخفيفة جدًا، سيَّما من مثل الحسن ممَّن لا يَروي إلَّا حسنًا ولا يفعل إلَّا حسنًا.
فائدتان:
الأولى: يثبتُ التدليس بمرةٍ واحدة كما جزمَ به الشافعي إذ قال: من عُرِفَ بالتدليسِ مرةً لا يقبل منه ما يُقبل من أهل النصيحة في الصدق حتَّى يقول: حدَّثني أو سمعت.
الثانية: استدلَّ على أنَّ التدليسَ غير حرامٍ بما أخرجه ابن عديٍّ عن البراء قال: لم يكن فينا فارسٌ يوم بدر إلَّا المقداد، قال ابن عساكر: قوله: (فينا)؛ يعني: المسلمين؛ لأنَّ البراء لم يشهد بدرًا أفاده في «شرح التقريب».
أقول: ويستدل له أيضًا بقول أبي بكر لمن سأله عن النَّبيِّ ﷺ في طريق هجرتهما إلى المدينة وهو راكب معه: (هَذَا رَجُلٌ يَهْدِيْنِي الطَّرِيْقَ)، ويُستأنس له بقول إبراهيم ﵇ في سارة: هذه أختي، وغير ذلك.
قوله: (وَالْمُدْرَجُ) من الإدراج وهو الإدخال، سُمِّيَ بذلك لما فيه من إدخال كلام آخر فيه، والإدراج قسمان؛ لأنَّه إمَّا أن يكون في السند أو في المتن، والمُدرج في المتن ثلاثة أنواع، والمُدرج في السند أربعة، فالجملة سبعة كما ستعرفه.
قوله: (كَلَاْمٌ يُذْكَرُ)؛ أي: يذكرُهُ الرَّاوي للحديث سواء كان صحابيًا أو غيره وسواء كان ذلك الكلام لنفسه أو غيره لأجل تفسيرِ غريبٍ في الحديث كخبر الزهري عن عائشة: «كَانَ ﷺ يَتَحَنَّثُ فِيْ غَارِ حِرَاءٍ -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد»، فقوله: وهو التعبد … إلى آخره، مدرجٌ؛ تفسيرٌ للتحنث، أو لاستنباط ما فهمه بعض رواته كما في حديث بُسرة الآتي فإنَّ عروة فهم منه أنَّ سببَ النقض مظنَّة الشهوة فجعل حكم ما قَرُب من الذَكَر كذلك؛ لأنَّ ما قرب من الشيء يُعْطَى حكمه فقال: (أو أنثييه أو رُفْغَيْه).
قوله: (عَقِبَ الْحَدِيْثِ) كان الأولى أن يقول: يُذكر مع الحديث؛ ليعمَّ ما يُذكر في أوله أو وسطه أو آخره، كما سيذكر ذلك بقوله: (وَيَكُوْنُ فِيْ المَتْنِ تَارَةً فِيْ أَوَّلِهِ … ) إلى آخره، ولعله أراد الأغلب.
وقوله: (مُتَّصِلًا)؛ أي: بالحديث من غير فصلٍ بين الحديث وذلك الكلام بذكر قائله مثلًا.
وقوله: (يُوْهِمُ أَنَّهُ مِنْهُ)؛ أي: يُوهم مَن لم يعرفْ حقيقةَ الحال أنَّه من الحديث وأنَّ الجميع مرفوعٌ.
وهذا تعريف للإدراج في المتن وهو ثلاثةُ أنواع كما أشرنا إليه، وأشار إلى الإدراج في السند بقوله: (أَوْ يَكُوْنُ عِنْدَهُ مَتْنَانِ … ) إلى آخره، وتقدم أنَّه أربعة أنواع:
الأول: أن يكون متنان مُختلفي الإسناد عند راوٍ فيرويهما عنه راوٍ فيجعلهما جميعًا متنًا واحدًا، مقتصرًا على أحد السندين.
الثاني: أن يروي جماعةٌ الحديثَ بأسانيد مختلفة فيرويه عنهم راو ويجعل الكلَّ إسنادًا واحدًا.
الثالث: أن يسوقَ المحدِّث الإسناد إلى منتهاه فيقطعه قاطعٌ عن ذكر متنه ويذكر كلامًا أجنبيًّا، فيظنُّ بعضُ من سمعه أن ذلك الكلامَ متنُ ذلك الإسناد، فيرويه عنه كذلك.
الرابع: أن يكون متن عند راوٍ بإسنادٍ إلَّا طرفًا منه فإنَّه عنده بإسناد آخر فيرويه عنه راوٍ تامًّا بالإسناد الأول ولا يذكر إسناد طرفه الثاني الذي فيه الزيادة.
وقد ذكر الشارح الأول بقوله: (أو يكون عنده متنان … ) إلى آخره، والثاني بقوله: (أو يسمع حديثًا من جماعة … ) إلى آخره، والثالث بقوله: (أو يسوق الإسناد … ) إلى آخره، وترك الرابع وكأنَّه لدخوله في الأول لما سنذكره من أنَّه يصدقُ على ذلك الطرف أنَّه متن آخر كما يصدق على جميع الأول أنَّه متن كذلك.
قوله: (أَوْ يَكُوْنُ عِنْدَهُ مَتْنَانِ)؛ أي: مختلفين بإسنادين مختلفين كما هو ظاهرٌ.
وقوله: (فَيَرْوِيْهِمَا)؛ أي: جميعهما أو جميع أحدهما وبعض الآخر، فيدخل الرابع حينئذ في كلامه أيضًا.
قوله: (بِأَحَدِهِمَا)؛ أي: أحد السندين.
وقوله: (كَرِوَايَةِ سَعِيْد بن أَبِي مَرْيَم)؛ أي: عن مالك، عن الزهري، عن أنس أنَّ رسول الله ﷺ قال: «لَاْ تَبَاغَضُوْا … » إلى آخره، فأدرجَ ابن أبي مريم، قوله: «وَلَاْ تَنَافَسُوْا» من متنٍ آخر، وهو ما رواه مالك أيضًا، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ ﷺ ولفظه: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فإن الظَّنَّ أَكْذَبُ الحديث، ولَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَاْ تَحَاسَدُوْا» وكلا الحديثين متفقٌ عليه من طريق مالك، وليس في الأول «ولا تنافسوا» فهي مدرجةٌ من ابن أبي مريم.
وهذا المثالُ صالح للنوع الذي ذكره الشارح والرابع الذي زدناه؛ إذ كل من الحديثين متنٌ له إسناد خاص روى أحدهما كاملًا مع بعض الآخر ابنُ أبي مريم وصَيَّرَهُمَا بإسنادٍ واحدٍ وَهَمًا كما جزم به الخطيب، ويَصدق على تلك الزيادة أنَّها متن كما يصدق على جميع الحديث الأول أنَّه متن كذلك كما أفاده في «شرح التقريب».
قلت: يؤخذُ منه أنهم اعتبروا في الإدراج أن يكون ذلك الكلام المُدرج ليسَ من كلام النبوة وإلَّا فالمُتبادر أن يكون هذا من الإدراج في المتن مع أنهم عَدُّوْهُ من إدراجِ السند؛ نظرًا إلى ما فعله الراوي من عنده في الإسناد لا لما