من جماعةٍ مختلِفين في إسناده أو متنه، فيرويه عنهم على الاتِّفاق، أو يسوق الإسناد، فيعرض له عارضٌ، فيقول كلامًا من قِبَل نفسه، فيظنُّ بعضُ مَن سمعه أنَّ ذلك الكلام من متن الحديث، فيرويه عنه كذلك.
ويكون في المتن؛ تارةً في أوَّله كحديث أبي هريرة: «أسبِغوا الوضوء، فإنَّ أبا القاسم ﷺ قال: ويلٌ للأعقاب من النَّار» [خ¦١٦٥]، فـ «أسبغوا» من قول أبي هريرة، والباقي مرفوعٌ، ويكون أيضًا في أثنائه، وفي آخره، وهو الأكثر؛ إلى آخره كحديث ابن مسعودٍ: «أنَّه ﷺ علَّمه التَّشهُّدَ في الصَّلاة، فقال: التَّحيَّات لله … » [خ¦٨٣١]
زادَ من كلام النبوَّة بذكره الحديث الثاني كلًّا أو بعضًا عقب الأول الذي هذا السند سندٌ له خاصة، كان كأنَّه أدرج سند الثاني في سند الأول فيكون إدراجًا ضمنيًا كذا ظهر، فتأمل.
قوله: (فِيْ إِسْنَادِهِ)؛ أي: كحديث عبد الله بن مسعود: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قال: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا … » الحديثَ. فإنَّ الأعمش ومنصور بن المعتمر روياه عن شقيق، عن عمرو بن شُرحبيل، عن ابن مسعود، ورواه واصل الأسدي، عن شقيق، عن ابن مسعود وأسقط عَمْرًا فجاء الثوري، ورواه عن واصل ومنصور والأعمش، عن شقيق، عن عمرو، عن ابن مسعود، فأدرج رواية واصل في رواية منصور والأعمش؛ لأنَّ واصلًا لم يذكر فيه عَمْرًا بل يجعله عن شقيق، عن ابن مسعود.
قوله: (أَوْ مَتْنِهِ) لفظُ المتن مُستدرك هنا وكأنَّه أشار به إلى القسم الرابع الذي ذكرنا أنَّه تركه إن لم يكن اعتمد على دخوله في الأول كما أومأنا إليه؛ وهو أن يكون المتن عنده بإسنادٍ إلَّا طرفًا منه فبآخر إلى آخر ما سبق، وقد تقدَّم ما يصلح مثالًا له.
وقوله: (بِاتِّفَاقٍ)؛ أي: في المتن أو السند ولا يبينُ ما اختلف فيه.
قوله: (مِنْ مَتْنِ الْحَدِيْثِ) الظاهرُ أن (من) زائدة وإلَّا كان من الإدراج في المتن الآتي.
قوله: (وَيَكُوْنُ فِيْ الْمَتْنِ) الضمير راجعٌ للأصل الذي هو الإدراج، وتقدم أنَّ أنواع إدراج المتن ثلاثةٌ وقد ذكرها الشارح بقوله (تَارَةً فِيْ أَوَّلِهِ … ) إلى آخره.
قوله: (كَحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَسْبِغُوْا … ) إلى آخره، الأولى بل الصواب التمثيل بما رواه شَبَابةُ وغيره، عن شُعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّارِ»، فإنَّ هذه الرواية فيها رفعُ الجملتين مع أنَّ الأولى من كلام أبي هريرة كما بيَّنه جمهور الرواة عن شعبة، كما في رواية البخاري، عن آدم، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: (أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ؛ فإن أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ قال … ) إلى آخره، ما ذكره الشارح، فرواية الشارح مبيِّنَةٌ للرواية التي ذكرناها، وهي التي فيها الإدراج، وهذه لا إدراج فيها؛ لتصريح محمد بأنَّ الجملة الأولى من كلام أبي هريرة، بل أفادَ أبو هريرة نفسه أنَّها من كلامه إذ علَّلَها بقوله: (فإنَّ أبا القاسم … ) إلى آخره، وشرط المدرج الإيهام، ولا إيهام مع التصريح، على أنَّ قول أبي هريرة: (أَسْبِغُوا … ) إلى آخره، قد ثبت في الصحيحين مرفوعًا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وعليه فلا يكون من الإدراج في شيء، ولذا مثَّلَ في «شرح التقريب» لذلك بما رواه الدَّارقطني في «السنن» من رواية هشام، عن عروة، عن بُسرة بنت صفوان قالت: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ مَسَّ رفْغَيْهِ أو أُنْثَيَيْهِ أو ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، والرّفغان بفتح الراء وضمها: تثنية رفغ بالغين المعجمة أصل الفخذة، قال: قال الدارقطني: كذا رواه عبد الحميد، عن هشام، وَوَهَمَ في ذِكر الأنثيين والرفغ، وإدراجه لذلك في حديث بُسرة، والمحفوظ أنَّ ذلك قول عروة، وكذا رواه الثقات عن هشام كحماد ابن زيد بلفظ «من مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، قال: وكان عروة يقول: «إذا مسَّ رفْغيه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ»، فعُروة فَهِم من لفظ الخبر أن سبب نقض الوضوء مظنَّةُ الشهوةِ فجعل حُكم ما قرب من الذَكَر كذلك فقال ذلك، فظنَّ بعضُ الرواة أنَّه مِن وَصْلِ الخبر فنقله مُدرجًا فيه، وفَهِم الآخرون حقيقة الحال ففَصَلوه. انتهى.
قوله: (وَيَكُوْنُ أَيْضًا فِيْ أَثْنَائِهِ) تركَ التمثيل له، ومن أمثلته حديث عائشة في بدء الوحي وهو قول الزهري فيه: (وهو التعبد الليالي … ) إلى آخره، وقد قدمناه لك آنفًا.
قوله: (وَهُوَ الْأَكْثَرُ)؛ أي: من وقوعه أوله أو أثناءه، وفي الأثناء قليلٌ بالنسبة للمدرج في الآخر، كثيرٌ بالنسبة للمدرج في الأول، فإنَّه في الأول نادر جدًا حتى قال الحافظ ابن حجر: لم يوجد منه غير خبر «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ … » إلى آخره إلَّا ما وقع في بعضِ طُرقِ خبر بُسرة المارِّ عندَ الطبراني بلفظ «مَنْ مَسَّ رُفْغَيْهِ … » إلى آخره.
تنبيهان:
الأول: يُعرف الإدراجُ بورودهِ مُفَصَّلًا في رواية أخرى، أو بالتنصيص على ذلك من الراوي وبعض الأئمة المطَّلعين كما يُعلم مما سبق، أو باستحالة كونه ﷺ يقول ذلك كما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ أَجْرَانِ، وَالَّذِي نَفْسيْ بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وأنا مَمْلُوكٌ»، فقوله: (والذي نفسي بيده … ) إلى آخره، مُدْرَجٌ من كلام أبي هريرة؛ لأنَّه يمتنع منه ﷺ أن يتمنى الرِّقَّ، ولأنَّ أمه لم تكن إذ ذاك موجودةً حتى يَبَرَّهَا.
الثاني: لا يجوزُ تعمد الإدراج في متن أو سند لتضمنه عزو القول لغير قائله إلَّا ما كان لتفسير غريبٍ كما فعله الزهري وغيره من الأئمة، كذا ذكره أئمة الحديث، قلت: استثناء تفسير الغريب يقتضي أنَّه إذا كان الإدراج لفائدةٍ لا يضرُّ وحينئذ فيظهرُ قياس