للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومولده، وبَدْء أمره، ونشأته وطلبه للعلم، وذكر بعض شيوخه، ومن أخذ عنه، ورحلته، وسَعَة حفظه وسيلان ذهنه، وثناء النَّاس عليه بفقهه وزهده وورعه وعبادته، وما ذُكِرَ من محنته ومنحته بعد وفاته وكرامته.

هو الإمام حافظ الإسلام، خاتمة الجهابذة النُّقَّاد الأعلام، شيخ الحديث، وطبيب علله في القديم والحديث، إمام الأئمَّة عجمًا وعربًا، ذو الفضائل التي سارت السُّراة بها شرقًا وغربًا، الحافظ الذي لا تغيب عنه شاردةٌ، والضَّابط الذي استوت لديه الطَّارفة والتَّالدة، أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المُغِيرة؛ بضمِّ الميم وكسر المُعجَمة، ابن بَرْدِزْبَه؛ بفتح الموحَّدة وسكون الرَّاء بعدها دالٌ مُهملَةٌ مكسورةٌ فزايٌ ساكنةٌ فموحَّدةٌ مفتوحةٌ فهاءٌ، على المشهور في ضبطه، وبه جزم ابن ماكولا، وهو بالفارسيَّة: الزَّرَّاع، الجُعْفيُّ: بضمِّ الجيم، وسكون العين المهملة، بعدها فاءٌ، وكان بَرْدِزْبَه فارسيًّا على دين قومه، ثمَّ أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفيِّ والي بخارى، فنُسِب إليه نسبةَ ولاءٍ؛ عملًا بمذهب من يرى: أنَّ من أسلم على يد شخصٍ كان ولاؤه له؛ ولذا قِيلَ للبخاريِّ: الجعفيُّ، ويمان هذا هو جدُّ المحدِّث عبد الله بن محمَّد بن جعفر بن يمانٍ الجعفيِّ المسنَدِيِّ.

قال الحافظ ابن حجرٍ: وأمَّا إبراهيم بن المغيرة؛ فلم نقف على شيءٍ من أخباره، وأمَّا والد البخاريِّ محمَّدٍ فقد ذُكِرَت له ترجمةٌ في «كتاب الثِّقات» لابن حبَّان، فقال في الطَّبقة الرَّابعة: إسماعيل بن إبراهيم والد البخاريِّ، يروي عن حمَّاد بن زيدٍ ومالكٍ، روى عنه العراقيُّون، وذكره ولده في «التَّاريخ الكبير»، فقال: إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، سمع من مالكٍ وحمَّاد بن زيدٍ، وصحب ابن المبارك، وقال الذَّهبيُّ في «تاريخ الإسلام»: وكان أبو البخاريِّ من العلماء الورعين، وحدَّث عن أبي معاوية وجماعةٍ، وروى عنه أحمد بن حفصٍ ونصر بن الحسين، قال أحمد بن حفصٍ: دخلت على أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم عند موته، فقال: لا أعلم في جميع مالي درهمًا من شبهة. فقال أحمد: فتصاغرت إليَّ نفسي عند ذلك.

وكان مولد أبي عبد الله البخاريِّ يوم الجمعة بعد الصَّلاة لثلاثَ عشْرةَ ليلةً خَلَتْ من شوَّال. وقال ابن كثيرٍ: ليلة الجمعة الثَّالث عشر من شوَّال سنة أربعٍ وتسعين ومئةٍ ببُخَارى، وهي بضمِّ الموحَّدة وفتح الخاء المُعجمَة وبعد الألف راءٌ، وهي من أعظم مدن ما وراء النَّهر، بينها وبين سمرقند ثمانيةُ أيَّامٍ، وتُوفِّي أبوه إسماعيل وهو صغيرٌ، فنشأ يتيمًا في حِجر والدته. وكان أبو عبد الله البخاريُّ نحيفًا، ليس بالطَّويل ولا بالقصير، وكان فيما ذكره غُنْجار في «تاريخ بخارى»، واللَّالَكَائيُّ في «شرح

فكان عُرفًا طارئًا، والأول هو الأصل عندهم فكان أولى بالتقديم.

قوله: (وَمَوْلِدِهِ) بكسر اللام، يقال لموضع الولادة ووقتها، وأما الميلاد فللوقت لا غير.

قوله: (وَنَشْأَتِهِ) من نشأ الشيء، نشأ مهموز من باب نَفَعَ: حدث وتجدد، والاسم النشأة والنشاءة وزان التمرة والضلالة. انتهى «مصباح».

قوله: (وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُ)؛ أي: من تلامذته.

قوله: (مِنْ مِحْنَتِهِ وَمِنْحَتِهِ) المِحْنَةُ بتقديم الحاء على النون: الابتلاء والاختبار يُقال: محنته محنًا، من باب نَفَعَ: اختبرته، والمِنْحَةُ بتقديم النون مع كسر الميم، في الأصل الشاة أو الناقة يُعطيها صاحبُها رجلًا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن، ثم كثر استعماله حتى أُطلق على كل عطاءٍ، ومَنَحْتُهُ منحًا من بابي نَفَعَ وضَرَبَ، كما في «المصباح»: أعطيته.

قوله: (بَعْدَ وَفَاتِهِ) ظرفٌ لمنحته.

قوله: (الجَهَابِذَة) بالذال المعجمة جمع جَهْبَذ بفتح الجيم والموحدة (النَّقَّاد) الخبير فذكر النُّقَّاد بعدُ للبيان.

قوله: (فِيْ القَدِيْمِ وَالحَدِيْثِ)؛ أي: قديمِ الزَّمان وحادثه.

قوله: (السُّرَاةُ) بضم السين جمع سارٍ من السير، ويصح أن يكون بفتح السين، جمع سَرِيٍّ كغَنِيٍّ، وهو الرئيس، قال في «المصباح»: وهو جمع عزيزٌ لا يكادُ يُوجدُ له نظيرٌ؛ لأنَّهُ لا يجمع فعيل على فعلة، وجمع السراة سروات. انتهى.

قوله: (الطَّارِفَةُ وَالتَّالِدَةُ) الطارفة بالفاء بعد الراء: الأمور المستحدثة، والتالدة خلافها، قال في «المصباح»: التالد والتليد والتلاد كلُّ مالٍ قديم وخلافه الطارف والطريف. انتهى.

واستعيرَ هنا للمسائل والعلوم.

قوله: (عَلَى المَشْهُوْرِ فِيْ ضَبْطِهِ)؛ أي: وأما على غيره فقيل: إنَّه بالذال المعجمة بدل المُهملة كما صَدَّرَ بهِ ابنُ خَلِّكان.

قوله: (ابْنُ مَاكُوْلَا) هو الأميرُ الحافظ أبو النصر علي بن هِبَة الله الوزيري البغدادي، وماكُوْلا بضم الكاف وسكون الواو ثم لام ألف، قال ابن خَلِّكَان: لا أعرفُ معناه ولا أدري سببُ تسميته بالأمير. انتهى.

وقد ذكر الشارح أن معناهُ بالفارسية: الزارع.

قوله: (الجُعْفِي) بضم الجيم وسكون العين المهملة وهو مشدد منون، ويقال: جُعْف بغير ياء النسبة كما في ابن خَلِّكَان، وهو ابن سعد العشيرة من مُذْحِج.

قوله: (المسْنَدِي) بفتح النون وحكى المؤلف كسرها في «أبواب فضائل المدينة» من «كتاب الحج»، كان يطلب الأحاديث المُسندة دون المقاطيع والمراسيل.

قوله: (لِثَلَاثَ عَشْرَةَ) وقال أبو يَعْلَى الخليلي في كتاب «الإرشاد»: لاثنتي عشرة ليلة خلت من الشهر المذكور. انتهى.

فحاصلُ ذلك أنَّه قيل: ولد ليلًا، وقيل: نهارًا، ثم قيل: كان ذلك لاثنتي عشرة، وقيل: لثلاث عشرة، ويظهر الجمع بأنَّ يوم الجمعة كانت ليلتُه القابلةُ ليلةَ ثلاث عشرة؛ وهو قد ولد بعد العصر، فمن قال لاثني عشر نظر لليوم، ومن قال لاثنتي عشرة نظر لليلة القابلة، وإن كان بعيدًا بالنظر للتعبير في جانب الأول أيضًا بالليلة، وعلى كُلٍّ فالأمدُ قريبٌ وتوفي ليلة السبت بعد صلاة العشاء، وكان ليلة عيد الفطر، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظُّهْرِ، سنةَ ست وخمسين ومئتين بخَرْتَنْك، وما ذكره ابن يونس في «تاريخ الغرباء» من أنَّه قَدِمَ مِصْرَ وتوفي بها غلطٌ، والصواب ما ذكرناه، كما في ابن خلكان.

وكان خالدُ بن أحمد بن خالد الذهلي أميرَ خراسان قد أخرجه من بخارى إلى خَرْتَنْك المذكورة، وهي بفتح الخاء المهملة وسكون الراء وفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون وبعدها كاف، قريةٌ من قُرى سَمَرْقَنْد.

قوله: (حِجْرِ وَالِدَتِهِ) في «القاموس»: الحِجْر مثلثة، المنع وحضن الإنسان، ثم قال: والحضن بالكسر ما دون الإبط إلى الكشح أو الصدر

<<  <   >  >>