للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السُّنَّة» في «باب كرامات الأولياء»: قد ذهبت عيناه في صغره، فرأت أمُّه إبراهيم الخليل في المنام، فقال لها: قد ردَّ الله على ابنك بصره بكثرة دعائك له، فأصبح وقد ردَّ الله عليه بصره.

وأمَّا بدء أمره فقد رُبِّيَ في حجر العلم حتَّى ربا، وارتضع ثدي الفضل، فكان فطامه على هذا اللِّبأ.

وقال أبو جعفرٍ محمَّد بن أبي حاتمٍ ورَّاق البخاريِّ: قلت للبخاريِّ: كيف كان بدء أمرك؟ قال: أُلهِمتُ الحديث في المكتب ولي عشْر سنين أو أقلُّ، ثمَّ خرجت من المكتب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الدَّاخليِّ وغيره، فقال يومًا فيما كان يقرأ للنَّاس: سفيان عن أبي الزُّبير عن إبراهيم، فقلت له: إنَّ أبا الزُّبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل فنظر فيه، ثمَّ خرج، فقال لي: كيف هو يا غلامُ؟ قلت: هو الزُّبير بن عديٍّ عن إبراهيم. فأخذ القلم منِّي وأصلح كتابه، وقال: صَدَقْتَ، فقال بعض أصحاب البخاريِّ له: ابن كم كنتَ؟ قال: ابن إحدى عشْرة سنةً، فلمَّا طعنت في ستَّ عشْرة سنةً حفظت كتب ابن المبارك ووكيعٍ، وعرفت كلام هؤلاء؛ يعني: أصحاب الرَّأي، ثمَّ خرجت مع أخي أحمد وأمِّي إلى مكَّةَ، فلمَّا حججت رجع أخي إلى بُخَارى، فمات بها، وكان أخوه أسنَّ منه، وأقام هو بمكَّة؛ لطلب الحديث. قال: ولمَّا طعنت في ثماني عشْرة سنةً صنَّفت كتاب «قضايا الصَّحابة والتَّابعين وأقاويلهم»، قال: وصنَّفت «التَّاريخ الكبير» إذ ذاك عند قبر النَّبيِّ في اللَّيالي المقمرة، وقلَّ اسمٌ في «التَّاريخ» إلَّا وله عندي قصَّةٌ، إلَّا أنِّي كرهت تطويل الكتاب. وقال أبو بكر بن أبي عتَّاب الأَعْيَن: كتبنا عن محمَّد بن إسماعيل وهو أمردُ على باب محمَّد بن يوسف الفريابيِّ، وما في وجهه شعرةٌ. وكان موت الفريابيِّ سنة اثنتي عشْرة ومئتين، فيكون للبخاريِّ إذ ذاك نحوٌ من ثمانيةَ عَشَرَ عامًا أو دونها.

وأمَّا رحلته لطلب الحديث؛ فقال الحافظ ابن حجرٍ: أوَّل رحلته بمكَّة سنة عشْرٍ ومئتين، قال: ولو رحل أوَّل ما طلب لأدرك ما أدركه أقرانه من طبقةٍ عاليةٍ ما أدركها، وإن كان أدرك ما قاربها؛ كيزيد بن هارون، وأبي داود الطَّيالسيِّ، وقد أدرك عبد الرَّزَّاق وأراد أن يرحل إليه، وكان يمكنه ذلك، فقِيلَ له: إنَّه مات، فتأخَّر عن التَّوجه إلى اليمن، ثمَّ تبيَّن أنَّ عبد الرَّزَّاق كان حيًّا، فصار يروي عنه بواسطةٍ، ثمَّ ارتحل بعد أن رجع من مكَّة إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرِّحلة إليها.

وقال الذَّهبيُّ وغيره: وكان أوَّل سماعه سنة خمسٍ ومئتين، ورحل سنة عشرٍ ومئتين بعد أن سمع الكثير ببلده من سادة وقته محمَّد بن سلَامٍ البيكنديِّ، وعبد الله بن محمَّدٍ المسنديِّ، ومحمَّد بن عَرْعَرة، وهارون بن الأشعث، وطائفةٍ، وسمع ببلخٍ من: مكيِّ بن إبراهيم، ويحيى ابن بشر الزَّاهد، وقتيبة، وجماعةٍ، وكان مكيٌّ أحد من حدَّثه عن ثقات التَّابعين، وسمع بمروَ من: عليِّ بن شقيقٍ وعبدان ومعاذ بن أسدٍ وصدقة بن الفضل، وجماعةٍ، وسمع بنيسابور من: يحيى بن يحيى وبشر بن الحكم وإسحاق، وعدة، وبالرَّيِّ من: إبراهيم بن موسى الحافظ

والعضدان وما بينهما. انتهى. وعليه فضم الحضن خطأ.

قوله: (فِيْ حِجْر العِلْمِ) (١) فيهِ إما مجازيًا لحذفٍ أو مَكْنِيَّة.

وقوله: (حَتَّى رَبَا) هو كنَمَا وزنًا ومعنىً.

قوله: (وَارْتَضَعَ ثَدْيَ الفَضْلِ) فيهِ من المَكْنِيَّةِ ما لا يخفاكَ.

قوله: (غُنْجَار) بغين معجمة مضمومة فنون ساكنة بعدها جيم وبعد الألف راء، لقبُ التيمي البخاري صاحب «تاريخ بخارى» كما في «القاموس»، وفي «مختصر تاريخ ابن عساكر»: الغُنْجارُ معرَّفًا.

قوله: (اللَّالَكَائِي) (١) بفتح اللام آخره همزة، نسبة إلى اللوالك، وهي نعال تلبس في الأرجل كان يبيعها، كذا في «اللب».

قوله: (رُبِّيَ فِيْ حِجْرِ العِلْمِ) (١)، يُقال: رَبَى الصغير يَرْبِي، من باب: تعب، وربا يربو من باب علا إذا نشأ، ويتعدى بالتضعيف فيقال رَبَّيْتُهُ فَتَرَبَّى.

قوله: (عَلَى هَذَا اللِّبَأ) اللبأ مهموز بوزن عِنَب: أول اللبن عند الولادة، وأكثرُ ما يكون ثلاث حلباتٍ وأقلُّهُ حلبةٌ، ولبَّأْتُ زيدًا ألبؤُهُ أطعمته اللِّبَأ.

قوله: (واللَّأْلَكَائِي) (١) بهمزة ساكنة بين اللامين المفتوحة.

قوله: (ابْنِ المُبَارَكِ) هو عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي، قال ابن خلكان: كان قد جمعَ بين العلمِ والعمل والزُّهد، وتفقه على سُفيان الثوري ومالك بن أنس، وروى عنه الموطأ، وكان شديدَ التَّوَرُّعِ، ومما أُثِرَ عنه أنَّه سُئل أيُّمَا أفضلُ معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز فقال: والله إن الغبارَ الذي دخل في أنفِ معاوية مع رسول الله أفضل من عُمَرَ بألفِ مرةٍ، صَلَّى مُعَاوِيَةُ خَلْفَ رسول الله فقال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» إِذْ قَالَ معاوية: «رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ» فما بعدَ هذا؟!. انتهى.

ومن كلامه: تعلمنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا.

وكتبه: وهي مصنفاته في الحديث والفقه.

قوله: (وَوَكِيْعٍ) هو شيخُ الإمام الشافعي المدفونِ بالقرافةِ الكبرى بطريقِ الذَّاهب إلى الإمام وهو الذي عناه بقوله:

شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي … فأرشدَنِي إلى تركِ المَعَاصِي

وأخبرنِي بأنَّ العلمَ نورٌ … ونورُ اللهِ لا يُهدى لعاصِي

قوله: (الأَعْيَن) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة بوزن أحمر، أصله العظيم العين، لُقِّبَ بِهِ هذا لذلك.

قوله: (الفِرْيَابِي) بفاء مكسورة وبعد الراء مثناة تحتية وبعد الألف موحدة مكسورة.

قوله: (عَبْدَ الرَّزَّاقِ) هو أبو بكر عبد الرزاق بن هَمَّام بن نافع الصنعاني.

قال أبو سعيد السّمْعَاني: قيلَ ما رحلَ الناسُ إلى أحدٍ بعد رسول الله مثل ما رحلوا إليه.

يروي: عن مَعْمَر بن راشد والأَوْزَاعي وابن جُرَيج وغيرهم.

وروى عنه: أئمة الإسلام في زمانه منهم سُفيان بن عيينة وهو من شُيوخه وأحمد ابن حنبل ويحيى ابن مَعِيْن وغيرهم، تُوفي في شوال سنةِ إحدى عشرة ومئتين باليمن، ومن كلامه: من يصحب الزمان يرى الهوان.

قوله: (البِيْكَنْدِي) بكسر الموحدة وسكون التحتية وفتح الكاف وسكون النون، بلدةٌ على مرحلةٍ من بُخارى، كما في «اللب».

قوله: (المُسْنَدِي) بضم الميم وفتح النون، نسبة إلى الحديث المسند، كما في «التقريب».


(١) تعليق الشاملة: وقع في المطبوع هنا - كما ترى- اضطراب في ترتيب عبارات الشرح، وتكرار فمثلا شرح (ربى في حجر العلم) مرتين متباعدتين، وضبط (اللالكائي) مرتين متباعدتين، وقد أعادوا في موسوعة البخاري ترتيب الشرح بضم النظير إلى نظيره.

<<  <   >  >>