للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتراه للمحذور أعظَم دافعِ

كم من يدٍ بَيْضَا حواها طِرْسُه … تُومي إلى طُرُق العلا بأصابعِ

وإذا بدا باللَّيل أسودُ نقشه … يجلو علينا كلَّ بدرٍ ساطعِ

مَلَكَ القلوبَ به حديثٌ نافعٌ … ممَّا رواه مالكٌ عن نافعِ

في سادةٍ ما إن سمعتَ بِمثلهم … من مُسمِعٍ عالي السَّماعِ وسامعِ

وقراءة القاري له ألفاظه … تغريدها يزري بسجْع السَّاجعِ

(وقول الآخر):

وفتى بُخارى عند كلِّ محدِّثٍ … هو في الحديث جُهينةُ الأخبارِ

لكتابه الفضلُ المبينُ لأنَّه … أسفاره في الصُّبح كالإسفار

كم أزهرت بحديثه أوراقُه … مثل الرِّياض لصاحب الأذكارِ

أَلِفَاتُه مثلُ الغصونِ إذا بدت … من فوقها الهمزاتُ كالأطيارِ

بجوامعِ الكَلِمِ التي اجتمعت به … متفرِّقاتُ الزُّهرِ والأزهارِ

وقول الشَّيخ أبي الحسن عليِّ بن عبيد الله بن عمر الشَّقِّيع -بالشِّين المُعجمَة، والقاف المكسورة المُشدَّدة، وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة عينٌ مُهملَةٌ- النَّابلسيِّ، المُتوفَّى بالقاهرة سنة ستَّ عشْرةَ وتسع مئةٍ:

خُتِم الصَّحيحُ بِحمْدِ ربِّي وانتهى … وأرى به الجاني تقهقر وانتهى

فسقى البخاري جُودُ جَوْدِ سحائبٍ … ما غابت الشِّعرى وما طلعَ السُّهى

الحافظُ الثِّقةُ الإمامُ المُرتضَى … مَنْ سار في طلبِ الحديث وما وهى

طَلَبَ الحديثَ بكلِّ قطرٍ شاسعٍ … وروى عن الجمِّ الغفير أُولي النُّهى

ورواه خلقٌ عنه وانتفعوا به … وبفضله اعترف البريةُ كلُّها

بحرٌ بجامعه الصَّحيح جواهرٌ … قد غاصها فاجهد وغُصْ إن رُمْتَها

واروي أحاديثًا معنعنةً زهتْ … تحلو لذائقِها إذا كرَّرتها

وللإمام أبي الفتوح العجلي:

صحيحُ البخاريِّ يا ذا الأدبْ … قويُّ المتون عَلِيُّ الرُّتبْ

قويمُ النِّظام بهيجُ الرُّواء … خطيرٌ يروجُ كنقد الذَّهبْ

فتبيانُه مُوضِحُ المعضِلاتِ … وألفاظه نخبةٌ للنُّخبْ

مفيدُ المعاني شريفُ المعالي …

الخاء المعجمة وإسكان الطاء آخره موحدة: الأمر العظيم الهائل الذي يستحق أن يُخطب له.

قوله: (طِرْسُه) بكسر الطاء المهملة: الصحيفة، أو التي مُحيت ثم كتبت، وجمعه أطراس وطروس.

قوله: (أَسْوَدُ نِقْشِهِ) بكسر النون وبالقاف والسين المهملة؛ أي: خطُّه الأسود.

وقوله: (يَجْلُو … ) إلى آخره، بالجيم المعجمة؛ أي: يُوضح ويكشف، يقال: جَلا الخبر للناس جلاءً بالفتح والمدِّ: وضحَ وانكشف فهو جليٌّ، وجَلَوْتُهُ: أوضحته يتعدى ولا يتعدى. انتهى «مصباح».

وقوله: (كُلَّ بَدْرٍ سَاطِعٍ) إما مُستعارٌ للأحاديث أو رجالها، والأول هو الظاهر.

قوله: (حَدِيْثٌ نَافِع) بتنوين لفظِ «حديثٍ» رفعًا على الفاعلية لـ «مَلَكَ» ونافع صفةٌ له؛ أي: ينفع المُتَمَسِّك به في دينه ونحو ذلك، وأمَّا نافع القافية فشيخُ مالكٍ، وبينه وبين الأول تمامُ الجِنَاسِ.

قوله: (مِنْ مُسْمِعٍ) بضم الميم الأولى وكسر الثانية.

قوله: (أَلْفَاظُهُ تَغْرِيْدُهَا … ) إلى آخره، مبتدآن أخبر عنهما بقوله (يُزْرِي … ) إلى آخره، والكلامُ على تقديرِ مُضافٍ: أي صوتُ ألفاظه؛ -أي: القارئ- يُزْرِي تَغْرِيْدُهُ؛ -أي: تطريبه في صوته- من غَرَّدَ يغردُ كتَعِبَ إذا طَرِبَ في صوته وغنائه كالطائر، وغرد تغريدًا مثله، كما في «المصباح»، والإزراء بالشيء: تعييبه، يُقال أزرى عليه، وازدرى به عابه، و (السَّاجِع) الحمام يسجعُ؛ -أي: يهدرُ ويصوت- وفي «المصباح»: سَجَعَتْ الحمامةُ سَجْعًا من باب نفع: هدرت وصوتت، والسَّجْعُ في الكلام مشبه بذلك لتفاوت فواصله، وسَجَعَ الرجلُ كلامه كما يقال نَظَمَهُ إذا جَعلَ لكلامه فواصلَ كقوافي الشعر ولم يكن موزونًا. انتهى.

قوله: (جُهَيْنَةُ الأَخْبَارِ) جُهَيْنَة بجيم مضمومة فهاء مفتوحة فياء ساكنة: رجلٌ يُضرب به المثل في الإحاطة بالأخبار، في الحديث الشريف: «آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَالُ لَهُ: جُهَيْنَةَ، فَيَقُوْلُ أَهْلُ الجَنَّةِ: عِنْدَ جُهَيْنَةَ الخبرُ اليقينُ»، وذكرَ بعضهم أنَّه بالفاء بدلَ الهاء، والكلام من باب التشبيه كما لا يخفى.

قوله: (لِكِتَابِهِ)؛ أي: الجامع الصحيح.

وقوله: (أَسْفَارُهُ) بفتح الهمزة جمع سِفْر بكسر فسكون، بمعنى الكتاب، والإسفار الثاني بكسر الهمزة مصدر أَسْفَرَ الصبحُ أضاءَ وأشرقَ، والتَّشْبِيْهُ من حيثُ إيضاح طريق الحق كفَلق الصبح.

قوله: (أَلِفَاتُهُ مِثْلُ الغُصُوْنِ) الألفات جمع ألف، والتشبيه من حيثُ ميلُ النفوس إليها من باب قوله:

قلبِي عَلَى قَدِّكَ المَمْشُوقِ بالهيفِ … طيرٌ على الغصن ِأوْ همزٌ على الألفِ

قوله: (مُتَفَرِّقَاتُ الزُهْرِ) بضم الزاي جمع أزهر وزهراء، وهو صفة لمحذوف؛ أي: المائل الزهر؛ أي: المشرقة، والأزهار جمع زهر؛ أي: ومتفرقات الأزهار؛ أي: الأحكام والأحاديث الشبيهة بالأزهار.

قوله: (تَقَهْقَرَ)؛ أي: رجعَ على عقبهِ خائبًا، وانتهى عن جنايته ببركته، وما احتوى عليه من الأسرار الحديثية والنفحات النبوية.

قوله: (جُوْدُ جَوْدِ) الجود بفتح الجيم المطر، وبضمها الكرم، والأول بالرفع فاعل سقى،

والثاني مضاف إليه، والكلام من باب المَكْنِيَّةِ، و (الشِّعْرَى) بكسر الشين المعجمة، و (السُّهَى) بضم المهملة نجمان معروفان.

قوله: (وَمَا وَهَى)؛ أي: ما ضَعُفَ.

قوله: (بِكُلِّ قُطْرٍ) بضم القاف: الناحية، والشاسع بمعجمة فمهملتين: البعيد.

قوله: (عَنْ الجَمِّ الغَفِيْرِ) الجمُّ بالجيم، والغفير بالغين المعجمة والفاء؛ أي: الجمع الكثير.

وقوله: (أُوْلِي النُّهَى) جمع نهية: وهي العقل.

قوله: (قَدْ غَاصَهَا)؛ أي: غاصَ لها؛ أي: غاصَ بحار العلوم الحديثية للفوز باستخراجها.

وقوله: (فَاجْهَدْ وَغُصْ)؛ أي: أجهد نفسك وغص تلك البحار أنت كذلك إن رُمت الظفر بها.

قوله: (قَوِيُّ المُتُوْنِ)؛ أي: صحيحُ الأحاديث.

قوله: (بَهِيْجُ الرُّوَاءِ) بضم الراء، ممدودًا: المنظر، والبهيج: الحسن؛ أي: حسن المنظر.

وقوله: (خَطِير) بالخاء المعجمة والطاء المهملة؛ أي: شريف، يقال: خطر الرجل يخطر كشرف وزنًا ومعنى.

وقوله: (يَرُوْجُ) بالجيم من الرَّواج.

قوله: (فتبيانه)؛ أي: بيانه.

وقوله: (المُعْضِلَاتِ) بكسر الضاد المعجمة، من أَعْضَلَ الأمر اشتد، ومنه داء عضال.

وقوله: (نُخْبَة)؛ أي: خيار.

وقوله: (لِلْنُّخَبْ) جمع نُخبة، واللام إما بمعنى (من)؛ أي:

<<  <   >  >>