ويُعرَف بإقرار واضعه،
في فضل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيتُ الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.
وروي عن المؤمل بن إسماعيل قال: حدَّثني شيخ بما روي عن أُبيِّ بن كعب مرفوعًا في فضل القرآن سورة سورة، قال: حدَّثني به شيخ، فقلت للشيخ: مَن حدَّثك؟ قال: حدَّثني به رجل بالمدائن، وهو حي فصِرْت إليه، فقلت: مَن حدَّثك؟ قال: حدَّثني شيخ بواسط وهو حي فصِرْت إليه. فقال: حدَّثني شيخ بالبصرة فصِرْت إليه، فقال: حدَّثني شيخ بعبادان فصرتُ إليه، فأخذ بيدي فأدخلني بيتًا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال: هذا الشيخ حدَّثني. فقلت: يا شيخ مَن حدَّثك؟ فقال: لم يحدثني أحد، ولكنَّا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إليه.
قال النووي: وقد أخطأ من ذكره من المفسرين؛ أي: كالزمخشري والبيضاوي.
ومنهم مَن يقلب سندَ الحديث ليُستغرب فيُرغَب في سماعه منهم، كحمَّاد النصيبي والبهلول بن عُبيد.
ومنهم من كان يرتزق بذلك ويتكسب به في القصص كأبي سعيد المدايني إلى غير ذلك.
فوائد:
الأولى: قال النَّسائي: الكَذَّابُون المعروفون بوضعِ الأحاديث أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بخُراسان، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام.
الثانية: قال السيوطي: وردَ في فضائل السور مفرَّقة أحاديث بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف ليس بموضوع، ولولا خوف الإطالة لأوردت ذلك لئلا يتوهم أنَّه لم يصح في فضل السور شيء خصوصًا مع قول الدَّارقطني: أصح ما ورد في فضائل القرآن فضل: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] وتفسير الحافظ عماد الدين ابن كثير أجلُّ ما يعتمد عليه في ذلك؛ فإنَّه أوردَ غالب ما جاء في ذلك مما ليس بموضوع وإن فاته أشياء، وقد جمعتُ في ذلك كتابًا لطيفًا سميته «حمائل الزهر في فضائل السور».
ثم قال: واعلمْ أنَّ السور التي صحَّت الأحاديث في فضلها: الفاتحة، والزهراوان، والأنعام، والسبع الطوال مجملًا، والكهف، ويس، والدخان، والملك، والزلزلة، والنصر، والكافرون، والإخلاص، والمعوذتان، وما عداها لم يصح منه شيء. انتهى.
والزهراوان البقرة وآل عمران، والسبع الطوال البقرة إلى آخر براءة بجعلها مع الأنفال سورةً واحدة.
(أقول): وما تقدم أنَّ حديثَ سورة الصف أصح مُسلسل رُوي كما ذكره شيخ الإسلام، فليس في فضل قراءتها فلا يُضم لما ذُكر وقد نظمتُ الجميع بقولي:
وكلُّ حديثٍ جاءَ فيْ فضلِ سورةٍ … فمَا صحَّ إِلَّا في المثانِي المفضَّلَه
وسبعٌ طوالٌ ثم الانفالُ كهفهُمُ … ويس والدُّخَانُ مُلْكٌ وزلزله
كذا الكافرونَ النصرُ الاخلاصُ عُوْذَتَا … ن أيضًا وزهراوان خُذها مكمَّلَه
الثالثة: قال الحافظ السيوطي: من الأحاديث الموضوعة أحاديث الأرز والعدس والباذنجان والهريسة، وفضائل من اسمه محمد وأحمد، ووصايا علي ﵁.
الرابعة: رُبما أسندَ الواضعُ كلامًا لبعض الحُكماء أو الزهاد أو الإسرائيليين؛ كحديث: «المعدة بيت الداء والحميةُ رأس الدواء» ولا أصل له من كلام النَّبيِّ ﷺ، بل هو من كلام بعض أطباء العرب، وكحديث: «حبُّ الدنيا رأس كل خطيئة»، قال العراقي: هو إما من كلام مالك بن دينار كما رواه ابن أبي الدنيا بإسناده إليه، أو من كلام عيسى بن مريم كما رواه البيهقي في «الزهد»، ولا أصل له من حديث النَّبيِّ ﷺ إلَّا من مراسيل الحسن البصري، وهي عند المحدثين شبه الريح، وردَّهُ شيخ الإسلام بأن مراسيله أثنى عليها أبو زُرعة وابن المديني فلا دليلَ على وضعه. انتهى.
قال الحافظ السيوطي: والأمر كما قال. انتهى.
قوله: (وَيُعْرَفُ بِإِقْرَارِ وَاضِعِهِ)؛ أي: أنَّه وضعه، كحديث فضائل القرآن المتقدم، واستشكل ابن دَقِيق العيد الحُكم بالوضع بإقرارِ من ادعاه؛ لأنَّ فيه عملًا بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع، قال: وهذا كافٍ في رده لكن ليس بقاطع في كونه موضوعًا؛ لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه؛ أي: إنَّ الحُكم بالوضع بالإقرار ليس بأمرٍ قطعي موافقٍ لما في نفس الأمر لجواز كذبه في الإقرار على حدِّ ما تقدم أن المراد بالصحيح والضعيف ما هو الظاهر لا ما في نفس الأمر، ومثلُ الإقرار بالوضع ما ينزل منزلته كأن يُحدِّث بحديث عن شيخٍ لا يعرف ذلك الحديث إلَّا عنده، ولا يُعرف إلَّا برواية هذا عنه، وقد علمت وفاة ذلك الشيخ قبل