مشهورٌ براوٍ كـ «سالمٍ»، أُبدِل بواحدٍ من الرُّواة نظيره في الطَّبقة كـ «نافع»؛ ليُرغَب فيه؛ لغرابته، أو قلب سندٍ لمتنٍ آخر مرويّ بسند آخر؛ بقصد امتحان حفظ المحدِّث، كقلب أهل بغداد على البخاريِّ رحمه الله تعالى مئة حديثٍ امتحانًا، فردَّها على وجوهها، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في ترجمته.
الأقسام، وهو ما عدا قلب المتن سهوًا فهو تبديل مَن يعرف برواية الحديث بغيره، ثم المقلوب من أقسام الضعيف، والقلب من حيث هو حرام إلَّا بقصدِ الاختبار.
قال العراقي: وفي جوازه نظرٌ. انتهى.
قوله: (مَشْهُوْرٌ بِرَاوٍ)؛ أي: أَي راوٍ كانَ من الرواة يُبَدَّل بنظيره في الطبقة من الرواة.
وقوله: (كَسَالِمٍ)؛ أي: وكعُبيد الله بن عمر أُبْدِلَ بمالكٍ، وممَّن كان يفعل ذلك من الوضاعين: حمَّاد بن عمرو النصيبي، وبهلول بن عبيد الكندي؛ لقصد الإغراب، كما قاله الشارح للرغبة في حديثه.
قال ابن دقيق العيد: وهذا الذي يُطلق على راويه أنَّه يسرق الحديث. انتهى.
وهذا هو القسم الأول من قسمي القلب عمدًا في السند.
قال العراقي: مثاله ما رُوي عن حماد بن عمرو، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، مرفوعًا: «إِذَا لَقِيتُمُ الْمُشْرِكِينَ في طَرِيقٍ فَلَا تبدؤوهم بِالسَّلَامِ وَاضْطَرُّوهُمْ إلى أَضْيَقِهَا»، فهذا حديثٌ مقلوبٌ قلبه حماد أحد المتروكين، فجعله عن الأعمش ليُغرب به وإنَّما هو معروفٌ بسهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة كما في مسلم، ولا يُعرف عن الأعمش، ولهذا كره أهل الحديث تتبع الغرائب فإنَّه قلَّمَا يصحُّ منها.
قوله: (أَوْ قَلْبُ سَنَدٍ لِمَتْن … ) إلى آخره، هذا هو الثاني من قِسمي القلب عمدًا في السند؛ وذلك أن يُجْعَلَ سندُ متن لمتن آخر مروي بسند آخر، ويُجْعَلَ هذا المتن لسند آخر لقصد امتحان حفظِ المُحدث واختباره هل اختلطَ أو لا؟ وهل يقبلُ التلقين أو لا؟
(قلت): جعلوا ذلك من قبيل القلب في السند، ولم يجعلوه من قبيل قلب المتن، مع أن فيه قلب سند لمتنٍ، ومتنٍ لسند، ولا يظهر له غير الاصطلاح وجه إلَّا أن يكون المقصود بالقلب هو الإسناد، لكنه يقتضي أنَّه لو كان الغرض المتن سُمي قلب متن؛ فَلْيُنْظَر.
والقسم الثالث: وهو القلب سهوًا في السند ما رواه جرير بن حازم، عن ثابت البناني، عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: «إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فلا تَقُومُوا حتى تَرَوْنِي» فهذا حديثٌ انقلبَ سندُهُ سهوًا على جرير بن حازم، وإنَّما هو مشهور بيحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قَتادة، عن أبيه، عن النَّبيِّ ﷺ كما عند مسلم والنسائي، لكنَّ جريرًا لمَّا سمعه من أبي عثمان الصَّواف يُحدث به في مجلسِ ثابت البَنَّاني ظنَّه عن ثابت عن أنس فرواه كذلك.
وقد بَيَّنَ ذلكَ حمادُ بن زيد فيما رواه أبو داود في «المراسيل» عن أحمد بن صالح، عن يحيى بن حسان، عنه قال: كنت أنا وجرير عند ثابت فحدَّث أبو عثمان، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله ابن أبي قتادة، عن أبيه، فظنَّ جرير أنَّه إنَّما حدث به عن ثابت عن أنس.
والقسم الرابع: وهو القلب سهوًا في المتن ويُعرف بأنَّه إعطاء أحد الشيئين ما اشتهر للآخر، مثاله حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة، ففيه: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تَعْلَم يمينه ما تنفق شماله»، فهذا مما انقلب على أحد الرواة سهوًا وإنَّما هو: «حَتَّىَ لَاْ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِيْنُهُ»، كما في الصحيحين.
قال البُلقيني: ويمكن أن يُسمى هذا بالمعكوس فيفردُ بنوع، ولم أَرَ من تعرضَّ لذلك. انتهى.
أقول: لينظر حينئذ وجه تسمية هذا بالمعكوس وذلك بالمقلوب، ولعله للفرق بين ما في السند وما في المتن على ما فيه.
ومثَّلَ شيخ الإسلام في «شرح النخبة» القلب في الإسناد بنحو كعب بن مرة ومرة بن كعب، قلت: وهو ظاهر، فلو خصَّ مثل ذلك باسم القلب مطلقًا، وما بُدل فيه راو بآخر أو جُعل فيه سند متن لآخر والعكس باسم العكس لكان أروح للقلب، ولكن القوم أدرى باصطلاحهم ولا مشاحَّةَ.
قوله: (كَمَا سَيَأْتِي) حاصله أنَّه لما قَدِم بغداد وسمعَ به أصحاب الحديث اجتمعوا، وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، كل رجل عشرة، وأمروهم إذا حضروا المجلس يُلقون ذلك على البخاري، وحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث البغداديين والغُرباء من أهل خراسان وغيرهم، فلما اطمَأَنَّ المجلسُ بأهله انْتُدِبَ إليه رجلٌ من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يُلقي عليه واحدًا واحدًا حتى فرغَ من عشرته والبُخَاري يقول: لا أعرفه، فكان بعض الفهماء ممَّن حضرَ المجلس يلتفتُ بعضهم لبعض، ويقول: فهم الرجل، ومَن كان منهم غير ذلك يحكم عليه بالعجز عن ردِّ الجواب لتقصيرهِ في العلم ثم انْتُدِبَ إليه الثاني، وهكذا واحدًا بعد واحد حتى فرغوا من المئة المقلوبة، والبُخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه، ثم التفت إلى الأول منهم وقال له: أما حديثك الأول