بالمُجَاز، والمُجَازُ له من أهل العلم المُجَازِ به صناعةً، وعن ابن عبد البرِّ: الصَّحيح أنَّ الإجازة لا تُقبَل إلَّا لماهرٍ بالصِّناعة حاذقٍ فيها، يعرف كيف يتناولها، وما لا يشكل إسناده؛ لكونه معروفًا معيَّنًا، وإن لم يكن كذلك لم يُؤمَن أن يحدِّث المُجَاز عن الشَّيخ بما ليس من حديثه، أو ينقص من إسناده الرَّجل والرَّجلين، وقال ابن سيِّد النَّاس: أقلُّ مراتب المجيز: أن يكون عالمًا بمعنى الإجازة العلمَ الإجماليَّ من أنَّه روى شيئًا، وأنَّ معنى إجازته لذلك الغير في رواية ذلك الشَّيء عنه بطريق الإجازة المعهودة، لا العلم التَّفْصيليَّ بما روى، وبما يتعلَّق بأحكام الإجازة. وهذا العلم الإجماليُّ من أنَّه روى شيئًا حاصلٌ فيما رأيناه من عوامِّ الرُّواة، فإن انحطَّ راوٍ في الفهم عن هذه الدَّرجة، ولا إخال أحدًا ينحطُّ عن إدراك هذا إذا عُرِفَ به، فلا أحسبه أهلًا لأنَّ يتحمَّل عنه بإجازةٍ ولا سماعٍ، قال: وهذا الذي أشرت إليه من التَّوسُّع في الإجازة هو طريق الجمهور، قال شيخنا: وما عداه من التَّشديد فهو منافٍ لما جُوِّزت الإجازة له من بقاء السِّلسلة. نعم؛ لا يُشترَط التَّأهُّل حين التَّحمُّل، ولم يقل أحدٌ بالأداء بدون شرط الرِّواية، وعليه يُحمَل قولهم: أجزت له روايةَ كذا بشرطه، ومنه ثبوت المرويِّ من حديث المجيز، وقال أبو مروان الطُّبنيُّ: إنَّها لا تحتاج لغير مقابلة نَسْخِهِ بأصول الشَّيخ، وقال عياضٌ: تصحُّ بعد تصحيح روايات الشَّيخ ومسموعاته وتحقيقها، وصحَّة مطابقة كتب الرَّاوي لها، والاعتماد على الأصول المُصحَّحة، وكتب بعضهم لمن عُلِمَ منه التَّأهيل: أجزت له الرِّواية عنِّي، وهو لما عُلِمَ من إتقانه وضبطه غنيٌّ عن تقييدي ذلك بشرطه. انتهى.
لِمَسِيْسِ حاجتهم إليها. قال عيسى بن مِسْكِين: الإجازةُ رأس مال كبير، واشترطه بعضهم في صحتها فبالغَ، وحُكي عن مالك.
قوله: (بِالْمُجَازِ) بضم الميم؛ أي: المجاز به، وقوله: (وَالمُجَازُ لَهُ) بالرفع؛ أي: وكون المجاز له … إلى آخره، وقوله: (المُجَازِ بِهِ) بالجرِّ صفةٌ للعلمِ، ولو عبَّر بما عبَّر به في «التدريب» لسلم من تلك القلاقة.
قوله: (وَمَا لَاْ يُشْكِلُ)؛ أي: وفيما لا يشكل … إلى آخره؛ أي: في معين لا يُشكل كما صرَّح به الشارح.
قوله: (مِنْ أَنَّهُ … ) إلى آخره، بيان للعلم الإجمالي.
قوله: (الْغَيْر) بالنصب، مفعول الإجازة، أو بدل من اسم الإشارة.
وقوله: (فِيْ رِوَايَةِ … ) إلى آخره، لعل هنا سَقطًا، والأصل: وأنَّ معنى إجازته لذلك الغير إذنه له في رواية ذلك الشيء … إلى آخره، وإن كان يتبادر من عبارته أنَّ خبر (أن) هو قوله: (بِطَرِيْقِ الإِجَازَةِ) وهو الملائم لسابق كلامه ولاحقه ولا بأس به.
قوله: (لَاْ الْعِلْمَ التَّفْصِيْلِيَّ بِمَا رَوَى)؛ أي: من معرفةِ لفظهِ ومعانيه.
وقوله: (وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الإِجَازَةِ)؛ أي: معرفة ما يجوز منها وما لا يجوز ومعرفة ألفاظ الأداء المختصة بكل نوعٍ منها ممَّا سبق مفصلًا.
قوله: (وَلَاْ إِخَالُ) بكسر الهمزة، قال ابن هشام في «شرح بانت سعاد»: والكسرُ فصيحٌ استعمالًا، شاذٌّ قياسًا، وفتحها لغةُ أَسَد، وهو بالعكس. انتهى.
وقال المرزوقي في «شرح الحماسة»: الكسر لغة طائية كَثُرَ استعمالُها في ألسنة غيرهم حتى صار الفتح كالمرفوض، وزعم أقوام أنَّ الفتح أفصح. انتهى.
قوله: (فَلَا أحسبه … ) إلى آخره، جواب قوله: (فَإِنَّ انحَطَّ … ) إلى آخره.
قوله: (قَالَ)؛ أي: ابنُ سيِّدِ النَّاس.
قوله: (شَيْخُنَا)؛ أي: السَّخَاوي.
قوله: (بِدُوْنِ شَرْطِ الرِّوَايَةِ)؛ أي: بدون أن تتحقق فيه شروط الرواية للحديث، من عدالة وضبط وغيرهما، ثم مع توفر شروط الأداء هل يجوز بدون تلقٍّ من المشايخ؟.
رُوِيَ عن الحافظ أبي بكر محمد بن خير الأموي قال: اتفق العلماء على أنَّه لا يصحُّ لمسلمٍ أن يقول: قال رسول الله ﷺ كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويًّا ولو على أقلِّ وجوه الروايات.
وتَعَقَّبَهُ الزَّركشي فقال: نقلُ الإجماعِ عجيبٌ، وإنَّما حُكِيَ ذلك عن بعض المحدثين، ثمَّ هو معارضٌ بنقل ابن بُرهان إجماع الفقهاء على الجواز، فقال: ذهبَ الفقهاءُ كافةً إلى أنَّه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صحَّ عنده نُسخةٌ جازَ له العمل بها وإن لم يسمع، وحكى أبو إسحاق الإِسْفَرَايِينِي الإجماعَ على جوازِ النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها وذلك شاملٌ لكتب الحديث والفقه، قال إِلْكِيَا الطَّبَرِي: من وجد حديثًا في كتابٍ صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به، وقال قوم: لا يجوزُ؛ لأنَّه لم يسمعه، وهذا غلطٌ، وقال ابن عبد السلام: اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة وكذا في النحو واللغة وسائر العلوم، لحصول الثقة بها وبُعْدِ التدليس، ومَن اعتقدَ أنَّ الناس قد اتفقوا على الخطأ فهو المُخْطِئ، وقد جنحَ الشارعُ إلى قول الأطباء في صورٍ، وليست كتبهم مأخوذة في الأصل إلَّا عن قوم كفار، ولكن لما بَعُدَ التَّدْلِيْسُ فيها اعتُمِدَ عليها كما اعتُمِدَ في اللغة على أشعارِ العرب وهم قوم كفارٌ لِبُعْدِ التَّدْلِيْسِ. انتهى.
قال الحافظ السيوطي: وكُتُبُ الحديثِ أولى بذلك من كتب الفقه وغيرها؛ لاعتنائهم بضبط النسخ وتحريرها، فمن قال: شرط التخريج من كتاب يتوقف على اتصال السند إليه، فقد خرق الإجماع، وغايةُ المُخرِّجِ أن ينقل الحديث من أصل موثوق بصحته وينسبه إلى من رواه.
قوله: (وَعَلَيْهِ) الظاهرُ أنَّ الضمير يعود على العلم الإجمالي المتقدم.
قوله: (الطُّبْنِي) بضم الطاء وسكون الموحدة ثم نون، نسبة إلى طُبْنة مدينة بالغرب، كذا في تبصير المنتبه لابن حجر.
قوله: (لِمَا عُلِمَ) علة مقدَّمة على معلولها وهو (غَنِيٌّ … ) إلى آخره.
تنبيه: ينبغي للمُجيز بالكتابة أن يتلفظ بها أيضًا، فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة صحت؛ لأنَّ الكتابة كناية، وتكون حينئذ دون الملفوظ بها في الرتبة، فإن لم يقصد الإجازة فقال العراقي: الظاهر عدم الصحة، وقال ابن الصلاح: لا يستبعد صحتها في باب الرواية التي جعلت فيه القراءة على الشيخ مع أنَّه لم يلفظ بما قُرئ عليه إخبارًا منه بذلك، كذا ذكره الحافظ السيوطي وسكت عليه.
وأقول: يظهرُ لي الفرقُ بأنَّ سكوت الشيخ حالَ القراءة عليه إقرارٌ منه، وهو كالفعل في أحكامه فلا غَرر وكانَ سكوته كإخباره، بخلاف