بن تغلب: «إنِّي لأعطي الرَّجل والذي أَدَعُ أحبُّ إليَّ … » [خ¦٩٢٣] الحديث.
ولم يروِ عن عمرٍو غير الحسن في أشياء عند البخاريِّ على هذا النَّحو. وأمَّا مسلمٌ؛ فإنَّه أخرج حديث الأغرِّ المزنيِّ: «إنَّه ليُغَان على قلبي» ولم يرو عنه غير أبي بردة في أشياء كثيرةٍ اقتصرنا منها على هذا القدر؛ ليُعلَمَ أنَّ القاعدة التي أسَّسها الحاكم لا أصل لها، ولو اشتغلنا بنقض هذا الفصل الواحد في التَّابعين وأتباعهم وبمن روى عنهم إلى عصر الشَّيخين لأربى على كتابه «المدخل»، إلَّا أنَّ الاشتغال بنقض كلام الحاكم لا يفيد فائدةً. انتهى.
وقال الحافظ أبو بكر ٍالحازميُّ: هذا الذي قاله الحاكم قولُ من لم يُمعن الغوص في خبايا «الصَّحيح»، ولو استقرأ الكتاب حقَّ استقرائه لوجد جملةً من الكتاب ناقضةً لدعواه.
وقد اتَّفقت الأمَّة على تلقِّي «الصَّحيحين» بالقبول، واختُلِف في أيِّهما أرجح؟ وصرَّح
قوله: (ابْنُ تَغْلِبٍ) بفتح المثناة الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام آخره موحدة.
قوله: (إِنِّيْ لَأُعْطِي الرَّجُلَ)؛ أي: وأدع الآخر تأليفًا لقلب المُعطى ووثوقًا بثبات المحروم، ولذا قال: «وَالَّذِيْ أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ».
قوله: (الأَغَرِّ) بالغين المعجمة والراء.
قوله: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي) كنايةٌ عن تكاثرِ أنوارِ التجليات الإلهية عليه، وسيأتي في ذلك ما تطمئن له القلوب وتنشرحُ به الصدور.
قوله: (لَأَرْبَى) بالراء والباء الموحدة؛ أي: زاد.
قوله: (وَلو اسْتَقْرَأَ الكِتَابَ)؛ أي: تتبع.
وقوله: (لَوَجَدَ جُمْلَةً مِنْ الكِتَابِ نَاقِضَةً لِدَعْوَاهُ)؛ أي: كالغرائب السالفة، وقد أجيبَ عن الحاكم بأنَّهُ إِنَّما أرادَ أنَّ كُلَّ راو في الكتابين يشترط أن يكون له راويان، لا أنَّه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك الحديث بعينه، فليس المراد أن يكون كل خبر روياه يجتمع فيه راويان عن صحابِيِّه، ثم عن تابِعيِّه فمن بعده فإن ذلك يعز وجوده، وإنَّما المراد أنَّ هذا الصحابي وهذا التابعي قد روى عنه رجلان خرج بهما عن حدِّ الجهالة.
وقال شيخ الإسلام: كأنَّ الحازمي فهم ذلك من قول الحاكم كالشهادة على الشهادة؛ لأنَّ الشهادة يشترط فيها التعدد مع أنَّه يحتمل أن يريد بالتشبيه بعضَ الوجوه لا كلَّها؛ كالاتصال واللقاء وغيرهما.
وقال بعضهم: ليس من الإنصاف إلزام الشيخين هذا الشرط من غير أن يثبت عنهما ذلك مع وجود إخلالهما به.
قال شيخ الإسلام: وهذا كلام مقبول. انتهى.
قال في «مقدمة الفتح»: ما ذكره الحاكم وإن كان منتقضًا في حقِّ بعض الصحابة الذين خرَّج لهم إلَّا أنَّه معتبرٌ في حقِّ من بعدهم فليس في الكتاب حديثٌ أصلٌ من رواية مَن ليس له إلَّا راو واحد فقط، وقال الحازمي ما حاصله: شرط البخاري أن يخرِج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنه الملازمة الطويلة، وقد يخرج أحيانًا عن الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن روى عنه فلم يلزمه إلَّا ملازمة يسيرة، وشرط مسلم أن يخرج حديث هذه الطبقة الثانية، وقد يخرج حديث من لم يسلمْ من غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمة لمن أخذ عنه؛ كحماد بن سلمة في ثابت البناني.
وقال النووي: المراد بقولهم: على شرطهما، أن يكون رجال إسناده في كتابيهما، وللحازمي في كتابه «شروط الأئمة» كلام جامع في شرط الشيخين وغيرهما حاصله أنَّ مذهب مَن يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه وهم ثقات أيضًا، وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزم إخراجه، وعن بعضهم مدخول لا يصح إخراجه إلَّا في الشواهد والمتابعات، وهذا باب فيه غموض وطريقه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم، ولنوضح ذلك بمثال، وهو أن تعلم أنَّ أصحاب الزهري مثلًا على خمس طبقات ولكل طبقة منها مزيَّةٌ على التي تليها، فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة، وهو غاية قصد البخاري كمالك وابن عيينة.
والثانية: شاركت الأولى في العدالة غير أنَّ الأولى جَمَعت مع الحفظ والإتقان طول الملازمة للزهري، حتى كان منهم من يلازمه سفرًا وحضرًا كالليث بن سعد والأوزاعي، وهؤلاء لم يلازموا الزهري إلَّا مدة يسيرة فلم يمارسوا حديثه، وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأولى، كجعفر بن برقان وسفيان بن حسين السُّلمي وهم شرط مسلم.
والثالث: جماعة لزموا الزهري مثل الطبقة الأولى غير أنهم لم يسلموا من غوائل الجرح، فهم بين الردِّ والقبول، كمعاوية بن يحيى، وهم شرط أبي داود والنسائي.
والرابعة: قوم شاركوا الثالثة في الجرح والتعديل وتفردوا بقلَّة ممارستهم لحديث الزهري؛ لأنَّهم لم يلازموه كثيرًا وهم شرط الترمذي.
والخامسة: نفر من الضعفاء والمجهولين لا يجوز لمن يخرج الحديث على الأبواب أن يخرج حديثهم إلَّا على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود فمن دونه، فأمَّا عند الشيخين فلا. انتهى.
لكن تقدم عن الجمهور أنَّ المتابعة والاستشهاد تكونُ بالضعيف الذي لم يشتدَّ ضعفُهُ، فلعلَّ مرادَ الحازمي ذلك.
قوله: (عَلَى تَلَقِّي الصَّحِيْحَيْنِ بِالقَبُوْل)؛ أي: لأنَّهما أصحُّ الكتبِ بعد القرآن الشريف، وما روي عن الشافعي من أنَّه قال: ما أعلمُ في الأرض كتابًا أكثر صوابًا من كتاب مالك، وفي رواية عنه: ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك. فذلك قبل وجودهما.
وما فيهما، ولو غير متواتر، مقطوع بصحته يفيد العلم القطعي؛ لتلقي الأمة له بالقبول اللازم منه إجماعهم على صحته، كما اختاره ابن الصلاح خلافًا لمن نفى ذلك محتجًّا بأنَّه لا يفيد إلَّا الظن وإنَّما تلقته الأمة بالقبول؛ لأنَّه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يُخطئ.
قال ابن الصلاح: وقد كنت أميل إلى هذا، ثم بانَ لي