لقد تواردت موجبات الشرع على أن للتحلِّي بمحاسن الأدب، ومكارم الأخلاق، والهدي الحسن، والسمت الصالح: سمة أهل الإسلام (١)، وأن العلم - وهو أثْمَن درة في تاج الشرع المطهر (٢) - لا يصل إليه إلا المتحلِّي بآدابه (٣)، المتخلِّي عن آفاته (٤)، ولهذا عناها العلماء (٥) بالبحث والتَّنبيه، وأفردوها بالتأليف، إما على وجه العموم لكافة العلوم، أو على وجه الخصوص، كآداب حملة القرآن الكريم، وآداب المحدِّث، وآداب المفتي، وآداب القاضي، وآداب المحتسب، وهكذا ..
والشأن هنا في الآداب العامة لمن يسلك طريق التعلم الشرعي (٦).
وقد كان العلماء السابقون يلقنون الطلاب في حِلَقِ العِلْمِ آداب الطلب، وأدركت خبر آخر العقد في ذلك الوقت في بعض حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف؛ إذ كان بعض المدرسين فيه يدرس طلابه كتاب الزرنوجي (م سنة ٥٩٣ هـ) رحمه الله تعالى، المسمى:"تعليم المتعلم طريق التعلم".
فعسى أن يصل أهل العلم هذا الحبل الوثيق الهادي لأقوم طريق، فيدرج تدريس هذه المادة في فواتح دروس المساجد، وفي مواد الدراسة النظامية،
(١) قوله: "لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلِّي بمحاسن الآداب .. إلى أن قال: "سمة أهل الإسلام"، يعني: صفتهم الظاهرة، فالسمة هي الصفة الظاهرة.
(٢) قوله: "وأن العلم هو أثمن دُرَّة في تاج الشرع المطهر"، الدرة نوع من أنواع الجواهر، والتاج هو ما يلبس على الرأس.
(٣) قوله: "لا يصل إليه إلا المتحلِّي بآدابه"، المتحلِّي يعني: المتصف بالصفة الظاهرة.
(٤) قوله: "المتخلي عن آفاته"، يعني التارك للأخلاق الرديئة التي تكون سببًا لفوات العلم، وتكون من آفاته.
(٥) قوله: "ولهذا عناها العلماء"، يعني: الآداب بالبحث والتنبيه.
(٦) قوله: "والشأن هنا في الآداب العامة لمن يسلك طريق التعلم الشرعي"، يعني: أنني سأخصص كتابي في آداب طالب العلم.