للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة) [١]، فهذا فيه دلالة على مشروعية الرحلة لطلب العلم؛ والعلماء قد أمضوا أوقاتًا عديدة، فشاهدوا شيوخًا كثيرين، وعرفوا طرائق في التعلم والتعليم، ولذلك يجد الإنسان عندهم تحريرات؛ بحيث يحررون المسائل ويعرفون المراد بها، وعندهم ضبط للألفاظ وضبط للمسائل ومعرفة الفرق بينها، وكذلك عندهم نكات علمية والمراد بالنكتة العلمية: الشيء العلمي النادر الذي لا يحصله الإنسان عند أي مؤلف أو في أي كتاب وكذلك يحصل الإنسان عند هؤلاء العلماء التجارب، فهم قد مارسوا وعرفوا أحوال الناس، وعرفوا دقائق أمورهم، وقد مرَّت بهم تجارب كثيرة وخبرات عديدة، فالإنسان إذا قرأ في الكتب ولم تمر عليه تلك التجارب فقد يكون حينئذٍ لا يتقن العلم، أضرب لذلك مسألة: في القضاء، من دَرَسَ كتب أهل العلم في باب القضاء، وأتقنها وعرفها وضبطها ضبطًا كاملًا، فإنه تفوته أشياء، بخلاف من مارس القضاء، وأخذ من أصحاب التجارب والخبرة فيه، فإنه ينتبه إلى أشياء ليست موجودة في الكتب، بل في الكتب مرات قد يطلق اللفظ ويراد به غير ظاهره، مثال ذلك: في كتاب الحج قد يطلقون مرات: (وعليه دم)، ويريدون بالدم فدية الأذى التي يُخيَّر الإنسان فيها بين الإطعام أو الصيام أو الذبح، فعندما يجد من ليس لديه خيرة ولا تجربة هذا اللفظ (عليه دم) يخطئ في فهمها فيقول: يتعيَّن الدم، وهذا خلاف مراد الفقهاء [٢].

مثال آخر: في كتاب مختصر الخرقي، قال في باب الحج (ومن وطئ قبل رمي جمرة العقبة فقد فسد حجهما وعليه بدنة) الخ، هذا كلامهم على وفق طريقتهم الأولى؛ لأنه لا يعقل في زمانهم أن يمر إنسان بمنى فلا يرمي، ولم يكونوا يتصورون أن يتجاوزها الحاج =


[١] أخرجه الترمذي (٢٦٨٠).
[٢] قال الحجاوي في زاد المستقنع: "فمن حلق أو قلم ثلاثة فعليه دم، قال البهوتي في شرحه: "أي شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام".

<<  <   >  >>