واحذر القعود عن هذا على مسلك المتصوفة البطَّالين، الذين يفضلون "علم الخرق"(١) على "علم الورق"(٢).
= إلى مكة بدون رمي، لأن منى في الطريق، لكن في زماننا لما تطورت وسائل الانتقال، ووجدت السيارات وينتقل الإنسان من مزدلفة إلى مكة بدون أن يمر بمنى، فقد يطوف ويسعى ويقصر قبل أن يرمي، فيكون بذلك قد تحلل التحلل الأول، وحينئذ نقول: إذا جامع بعد هذا لم يفسد حجه؛ لأنه قد تحلل التحلل الأول، ولم تجب عليه بدنة، ولم يجب عليه الحج من قابل، فمثل هذه الفائدة إذا قرأها الإنسان في الكتاب ولم يتصل بعالم يشرح له ذلك فسينزل الكلام على غير مراد مؤلفه به، فمثل ذلك يدلك على أهمية الأخذ من العلماء والرحلة إليه، وبذلك نكون قد سلكنا طريق التعلم بالرحلة إلى العلماء.
(١) قوله: "واحذر القعود عن هذا على مسلك المتصوفة البطالين .. "، أي: أهل التصوف الذين من صفتهم البطالة وترك التعلم، فمثل هؤلاء طريقهم مخالف لطريق الشرع؛ لأنهم يفضلون علم الخرق على علم الورق. والخرق قد تفسر بمعنيين: إما الخرقة التي يعطيها الأول للثاني، يعطيها الشيخ لمريده لينتقل إليه التصوف، ويصبح من أهل الولاية وأصحاب السلوك إلى الله بزعمهم، أو أن المراد به أن أهل التصوف يتركون ما الناس فيه من حال فيلبسون ثيابًا مخرقة متقطعة، لكن لعل المعنى الأولى أولى.
(٢) وقوله: "على علم الورق"، وهو طلب العلم الذي يُسجل في الأوراق، وبهذا تعرف أن منهج أهل السنة والجماعة هو أن يكون الطريق إلى الله مبتدئًا بالتعلم، أما من جاء وجعل الطريق إلى الله في الخروج من بلد إلى بلد لمجرد السفر، ويسمونه السياحة يتقربون به لله، بدون أن يكون المقصد من ذلك السفر هو طلب العلم، أو مقصد آخر موافق لمقصد الشرع، وسمي ذلك في سبيل الله، فإنه ليس على الطريقة السلفية.