ومن مليح كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله في مجلس للتفقه:"أما بعد: فقد كنا في مجلس التفقه في الدين، والنظر في مدارك الأحكام المشروعة (١)، تصويرًا (٢)، وتقريرًا وتأصيلًا، وتفصيلًا، فوقع الكلام في … فأقول لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا مبني على أصل وفصلين .... ".
واعلم أرشدك الله أن بين يدي التفقه (التفكر)(٣)؛ فإن الله ﷾ دعا عباده في غير آية من كتابه إلى التحرك بإحالة النظر العميق في (التفكر) في
= ومن نظر في كتب هذين الإمامين - شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - فإنه يستنبط منهما فوائد كثيرة؛ تقول: كيف فتح الله عليهم بهذه الفوائد؟!.
(١) قوله: "قال ابن تيمية: (أما بعد: فقد كنا في مجلس التفقه في الدين والنظر في مدارك الأحكام) "، المدارك التي هي العلل والمعاني، وهي التي يُرْبَطُ الحكم بها.
(٢) قوله: "تصويرًا .. "، يعني معرفة صورة المسألة، وهذا أول ما تبدأ به، ثم بعد ذلك تبحث المسألة تقريرًا: أي تقرر هذه المسألة، ثم تأصيلًا: معرفة الأصل الذي ترجع إليه ومعرفة كيف انْبَنَتْ هذه المسألة على أصلها ثم تفصيلًا، أي تفرع المسائل على ذلك الأصل، فهذه أربع مراحل لفقه المسائل العلمية.
(٣) قوله: "بين التفقه (التفكر) "، (التفكر)، هو التأمل، فإنك قبل أن تحصل لك رتبة الفقه لا بد أن يسبقها تفكر، والله - جل وعلا - قد أمر عباده بالتفكر، سواء التفكر في الآيات الشرعية كتابًا وسنة، أو التفكر في الآيات الكونية. ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [النور: ٦١]، والمراد بآياته في هذه الآية: الآيات الشرعية؛ لأن البيان وُجد في الكتاب والسنة، وحينئذٍ نعلم أن التفكر طريق للتفقه، لكن التفقه أعمق، فالتفكر وسيلة، والتفقه نتيجة، وقد عاب الله المنافقين بأنهم: ﴿لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٧٨]، ومن هنا فالتفقه مبني على الأدلة والبراهين، لكنه إذا حصل هناك هوى وتشهٍّ فإن الإنسان لن يفقه، فالتشهي والهوى مما يصد العقل عن التفقه.