للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ملكوت السماوات والأرض، وإلى أن يمعن المرء النظر في نفسه، وما حوله، فتحًا للقوى العقلية على مصراعيها، وحتى يصل إلى تقوية الإيمان وتعميق الأحكام، والانتصار العلمي: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٢]، ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢١٩]، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ٥٠].

وعليه فإنه "التفقه" أبعد مدى من "التفكر" إذ هو حصيلته وإنتاجه، وإلا ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٧٨].

لكن هذه التفقه محجوز بالبرهان محجور عن التشهي والهوى ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: ١٢٠].

فيا أيها الطالب! تحلَّ بالنظر والتفكر، والفقه والتفقه، لعلك أن تتجاوز من مرحلة الفقيه إلى فقيه النفس كما يقول الفقهاء، وهو الذي يعلِّق الأحكام بمداركها الشرعية، أو فقيه البدن كما في اصطلاح المحدثين (١).

(١) قوله: "فيا أيها الطالب، تحَلَّ بالنظر والتفكر، والفقه والتفقه"، وحينئذ تصل إلى مرحلة فقيه النفس، والناظر في الأحكام الشرعية يجد أن الفقهاء على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: الفقيه الذي ينظر في جزئيات المسائل ويتقنها، فمِثْلُ هذا قد يسمونه بالفقيه، ولكنه لا يجوز له استنباط الأحكام من الأدلة.

والنوع الثاني: من يتجاوز الجزئيات إلى الكلِّيات، فيُحَصِّل كليات الشريعة، فهذا يتمكن من التخريج والتفقه، ولكن قد يخطئ كثيرًا؛ لأنه يَغْفَل عن جزئيات تُرَتَّب عليها كُلِّيَّات.

الثالث: من أدرك الجزئيات والكليات، وهذا هو فقيه الناس.

<<  <   >  >>