للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قيل: "من أكثر من شيء عُرف به" (١).

فتجنب هاتيك السقطات في مجالستك ومحادثتك، وبعض من يجهل يظن أن التبسط في هذا أريحية (٢).

= اليسير النادر القليل والطريف، الذي لا يخرج عن حد الأدب، ولا عن طريقة العلم، أما أن يكون كل حديثه وكل مجالسه مبنية على المزاح، ويتكلَّم بالأمور الفاحشة في المزاح التي تكون كبيرة، وتكون عظيمة أن تصدر من إنسان يطلب العلم، أو يتكلم في الأمور السخيفة التافهة التي لا قيمة لها، أو يتكلم من المزاح بما يُوغِرُ الصدور، بحيث يُعلِّق على هذا، ويُنكِّت على هذا، فهذا يورث القطيعة، ويورث غِل القلوب، ويجلب الشر، وهذا كله مذموم.

وأصل كثرة المزاح - حتى ولو لم يكن بهذه الأمور؛ من الفاحش والسخيف والمورث للعداوة - يضع من قدر الإنسان، ويزيل صفة المروءة منه، ما هي صفة المروءة؟ المروءة المراد بها اجتناب الإنسان ما لا يُثنى عليه من الأوصاف عند الناس، وبعضهم يقول: المروءة اجتناب الإنسان الصفات غير المرغوب فيها.

مثال هذا: مما يُرغب فيه أن يكون الإنسان في مجتمعاتنا لابسًا للثياب، فإذا لبس البنطلونات لم يُعدّ حينئذٍ ممن اتصف بصفات المروءة؛ لأن الناس لا يثنون على من ترك هذه الثياب المعتادة.

(١) قوله: "وقد قيل: من أكثر من شيء - من مزاح أو ضحك - عُرف به"، بحيث يكون موصوفًا به فيقال: فلان مزَّاح.

(٢) قوله: "فتجنَّب هاتيك السقطات في مجالستك ومحادثتك، وبعض من يجهل يظن أن التبسط في هذا أريحية"، الأريحية يعنى ما يكون منتجًا لراحة النفس، بعض الناس يعد الضحك والتبذل وكثرة المزاح من الأريحية التي ترتاح لها النفوس، وهذا ليس من ذلك في شيء، بل إن الناس إذا وجدوا شخصًا يكثر من المزاح والتعليق على الآخرين، فإنه حينئذ تنفر منه نفوسهم.

<<  <   >  >>