وقد قيل:"من دخل في العلم وحده، خرج وحده"، أي: من دخل في طلب العلم بلا شيخ؛ خرج منه بلا علم، إذ العلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، فلا بد إذًا لتعلمها من معلمها الحاذق (١).
وهذا يكاد يكون محلّ إجماع كلمة من أهل العلم؛ إلا من شذَّ مثل: علي بن رضوان المصري الطبيب (م سنة ٤٥٣ هـ)، وقد رد عليه علماء عصره ومَنْ بعدهم.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمته له:"ولم يكن له شيخ، بل اشتغل بالأخذ عن الكتب، وصنَّف كتابًا في تحصيل الصناعة من الكتب، وأنها أوفق من المعلمين، وهذا غلط"(٢).
(١) قوله: "قال: (من دخل في العلم وحده - أي بلا شيخ - خرج وحده - أي بلا علم) "، فإذا دخلت في المطبخ وأنت لا تحسن الطبخ، ووجدت أنواع ما يجهز به الطعام، حينئذٍ لن تتمكن من الطبخ إلا أن يكون عندك طباخ ماهر يرشدك إلى كيفية الطبخ، هكذا في العلم، عندك مؤلفات، وعندك كتابات متنوعة ما هو الأنسب لك؟ وكيف تتعلم؟ وما الكتب المناسبة لك؟ وما هي مبادئ العلم التي يحسن أن تبتدئ بها؟ لا يمكن أن تعرفه بنفسك.
(٢) قوله: "وقال الحافظ في ترجمة له .. " ابن رضوان: عالم من علماء مصر، طبيب، يقول: بأنه يرغب في تحصيل العلم من الكتب فقط، ولذلك رد العلماء عليه، ومن هنا قال عنه الذهبي:"لم يكن له شيخ، صنَّف كتابًا في تحصيل الصناعة من الكتب، وأنها أوفق من المعلمين"، وهذه الطريقة غلط، ولعل مثل ذلك إنما يكون في أصحاب المهن والعلوم الأخرى، فابن رضوان هذا طبيب، ولذلك ظن أنه يحصل العلم الشرعي بطريق القراءة من الكتب.