للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: "جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ" أي: نفذت الأقضية، وقُدِّرت المقدَّرات، وهو تمثيلٌ بما نعهده فإنَّا إذا كتبنا الشيء منه بقي القلم جافًا لا مداد عليه، وما قُدِّرَ لا يَقْدر الخلق على تغييره تيسيرًا أو تعسيرًا، وعليهم الصَّبر والرِّضا كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ (١) ولذلك قال بعده: "اعْمَلْ بِالْيَقِينِ مَعَ الرِّضَا" أي: مستيقنًا بقدره راضيًا بقضائه.

وقوله: "وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" يُبَشِّرُ بالفرجِ بعد الشِّدَّةِ، وانتظار الفرج عبادةٌ كما ورد في الحديث (٢)، وقد يمنُّ الله تعالى على النَّاس عند أشدِّ البأسِ وأتمِّ اليأسِ، وأنشد: [وافر]

إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْيَأْسِ الْقُلُوبُ … وَضَاقَ لِمَا بِهَا الصَّدْرُ الرَّحِيبُ

أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكُ غَوْثٌ … يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ الْمُسْتَجِيبُ

وُكُلُّ الْحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ … فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرِيبُ

وفي الحديثِ إشارةٌ إلى حَدَاثَةِ سنِّ ابن عبَّاسٍ حيث قال: "يَا غُلَامُ يَا غُلَيِّمُ" وكانت ولادته قبل هجرة رسول الله بسنتين وقيل: بثلاث، وكان ابن ثلاث عشرة سنة حين توفي رسول الله هذا هو الأصح وقيل غيره.

وذكر إردافه في بعض الروايات يُبَيِّنُ حُسن خلقه ومواساته مع الناس وتواضعه في الإرداف.


(١) الفرقان: ٢٠.
(٢) روى الترمذي (٣٥٧١) من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا: "سَلُوا الله من فَضْلِهِ فَإِنَّ الله ﷿ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ". قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (٤٩٢): ضعيف جدًّا.

<<  <   >  >>