للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأبدي الأخروي. وكان الأصلح في حق أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمته أن ينص على خلافة أبي بكر صريحا لا على خلافة الأمير حتى يعملوا بوفقه ولا يذهبوا إلى خلافه. وأيضا يقول الله تعالى في كتابه {بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} فلو كانت الهداية إلى الإيمان واجبة عليه تعالى لم يمن بها على عباده، إذ لا منة في أداء الواجب.

ويعتقدون أيضا أن (الأعواض واجبة عليه تعالى) يعني إذا أصاب الله عبدا بألم أو نقصان في ماله وبدنه وجب عليه تعالى أن يعطيه نفعا يستحقه ذلك العبد. (١) وعقيدتهم هذه بعد دراية ما بين العبد والرب من علاقة المالكية والمملوكية باطلة. إذ العوض يجب إذا تصرف في ملك المالك، ولا ملك في العالم لغيره تعالى. ونعيم الجنة في الحقيقة محض تفضل منه، لأن العبد لو صرف جميع عمره في الطاعة والعبادة لا يمكن أن يؤدي شكر نعمة واحدة من نعمة الخفية الدقيقة فضلا عن أن يستحق عليه عوضا به. فإن كل ما يفعله الإنسان لا يكافئ نعمة الوجود وحدها، فكيف يكون حال ما يقتضي غيره من النعم الكثيرة: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}. ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما أحد يدخل الجنة بعمله إلا برحمة الله، قيل: ولا أنت؟ قال: ولا أنا». (٢) وقد صح عند الشيعة ثبوت هذا المعنى بالتواتر من أحاديث الأئمة. روى ابن بابويه القمي في (الأمالي) من طريق صحيح عن علي بن الحسين أنه كان يدعو بهذا الدعاء «إلهي وعزتك وجلالك لو أني منذ أبدعت فطرتي من أول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك لكل شعرة في طرفة عين سرمد الأبد بتحميد الخلائق وشكرهم أجمعين لكنت مقصرا في بلوغ شكر أخفى نعمة من نعمك. ولو أني كربت معاول حديد الدنيا بأنيابي وحرثت أرضها بأشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السماوات والأرض دما وصديدا لكان ذلك قليلا من كثير من وفاء حقك علي، ولو أنك إلهي عذبنتي بعد ذلك بعذاب الخلائق أجمعين وعظمت للنار خلقي وجسمي وملأت جهنم مني حتى لا يكون في النار معذب غيري ولا يكون لجهنم حطب سواي لكان هذا لك علي قليلا من كثير ما استوجبت من عقوبتك». (٣) وفي (نهج


(١) قال ابن المطهر الحلي: «ذهبت الإمامية أن الألم الذي يفعله الله تعالى بالعبد أما يكون على وجه الانتقام والعقوبة ولا عوض فيه، فإما أن يكون على وجه الابتداء، وإنما يحسن من الله تعالى بشرطين: أحدهما أن يشتمل على مصلحة ما للمتألم أو لغيره وهو نوع من اللطف ... والثاني أن يكون في مقابلته عوض للمتألم يزيد على الألم، وإلا لزم الظلم والجور من الله سبحانه على عبيده، لأن إيلام الحيوان وتعذيبه على غير ذنب ولا لفائدة تصل إليه ظلم وجور وهو على الله محال». نهج الحق: ص ١٣٧.
(٢) متفق عليه
(٣) ابن بابويه، الأمالي: ص ٢٩٩؛ المجلسي، بحار الأنوار: ٩٤/ ٩٠.