للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلاغة) عن أمير المؤمنين قال «لا يأمن خير هذه الأمة من عذاب الله». (١)

العاشر منها: كل ما يصدر من الإنسان أو الجنة أو الشياطين أو غيرهم من المخلوقات من خير وشر وكفر وإيمان وطاعة ومعصية وحسن وقبح كلها من خلق الله تعالى بإيجاده وليس للعبد قدرة على خلقه. نعم له كسبه والعمل به، وبهذا الكسب والعمل سيجزى إن شرا فشر وإن خيرا فخير. هذا هو مذهب أهل السنة.

وقال الإمامية: إن العبد يخلق أفعاله ولا دخل لله تعالى في أقوالهم وأفعالهم الإرادية، بل في جميع أفعال الطيور والبهائم والوحوش وسائر الحيوانات التي تفعل بالإرادة. (٢) وعقيدتهم هذه مخالفة للكتاب والعترة.

أما الكتاب فقوله تعالى {والله يخلقكم وما تعلمون} وقوله {خالق كل شيء لا إله إلا هو} وقوله {ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله} وقوله {ألم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن} وغيرها من الآيات.

وأما العترة فقد روت الإمامية بأجمعهم عن الأئمة أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى؛ ذكر تلك الروايات شارح العدة وغيره. (٣) ومع هذا يعتقدون أن هذه المسألة كذلك بزعمهم مخالفين للأئمة صريحا، ولا تمسك لهم في ذلك إلا بعده شبهات اتخذوها ملجأ باتباع المعتزلة، قالوا لو كان الله تعالى خالقا لأفعال عباده يلزم بطلان أمر الثواب والعقاب والجزاء كلها، لأنهم لا يكون لهم دخل في أفعالهم، وتعذيب من لا دخل له في فعله ظلم صريح.

وأجاب أهل السنة بمنع الملائمة، وذلك أنهم قالوا إنا نثبت أمر الثواب والعقاب والجزاء على أصول الشيعة وعلى وفق رواياتهم عن الأئمة، مع كونه تعالى خالقا لأفعال عبداه بطريقين: (الأول) أن جزاء أفعال كل واحد مطابق لعلمه وتقديره تعالى في حق كل واحد، مثلا ثبت في علم الله أن أفعالهم وأعمالهم لو أحالها وفوض عملها إليهم يطيع فلان ويعصي فلان، يعني يخلق في المطيع طاعته والعاصي معصيته والكافر كفره والمؤمن إيمانه، وقد قام شاهد هذا التقرير والعلم في العباد أيضا وذلك ميلهم وهوى أنفسهم، فميل المؤمنين


(١) في النهج: «لا تأمنن على خير هذه الأمة عذاب الله ... ». نهج البلاغة (بشرح ابن أبي حديد): ١٩/ ٣١٤.
(٢) قال ابن المطهر الحلي: «اتفقت الإمامية والمعتزلة: إنا فاعلون، وادعوا الضرورة في ذلك» وقوله إنا فاعلون أي خالقون لأفعالنا. نهج الحق: ص ١٠١.
(٣) العدة: ٢/ ٤٩٩.