للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تنجيهم من عذابه لأن علمه أولى بحقيقة التصديق وهو معنى شاء ما شاء وهو سره. (١) وروى الكليني عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله - عليه السلام - أن قال: إن الله خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه فمن خلقه سعيدا لم يبغضه أبدا وإن عمل سوءا أبغض عمله وإن خلقه شقيا لم يحبه أبدا وإن عمل صالحا أحب عمله. (٢) ولو كان الجزاء على خلق عمله من عنده الواقع موافقا لهوى العبد ظلما يلزم أن يكون خلق نفسه وقواه مع تسليط الشيطان عليه ومنع الألطاف وإطاقة القبول في حقه ظلما أيضا. وقد وقع صريحا في الروايات المذكورة هذه الجمل: ووهب له قوة المعصية ومنع عنه إطاقة القبول ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم. وقد ورد أيضا في الروايات السابقة عن أبي عبد الله أنه قال: إذا أراد الله بعبد سوءا نكت في قلبه نكنة سوداء الحديث المتقدم. وظاهر أن العبد يكون على هذا مضطرا وملجئا بفعل المعصية لعدم قدرته على الطاعة والعبادة بهذه المعاملة التي عامل الله بها في حق عبده.

(الطريق الثاني) أن الجزاء ليس على العمل حتى يكون دخل العبد ضرورة، بل على ميل قلبه وهو نفسه الذي يقارن كل عمل من الخير والشر، ولهذا رفع عن العباد السهو والنسيان والخطأ والإلزام، مع أن صدور سوء الفعل يكون من العبد في هذه الحالات أيضا، ولكن لما لم يكن قلبه وهوى نفسه بذلك الفعل يعفى عنه ذلك الصدور ولهذا يجزي على نية الخير والشر وإن لم يعمل ففي الكافي للكليبي عن السكوني عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله». (٣) ووجه كونها خيرا وشرا إنما هو مدار الجزاء عليها. وفيه أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير فإذا علم الله عز وجل ذلك منه بصدق نيته كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب لو عمله، ولهذا جعل الرياء والسمعة محبطين لثواب العمل كما ذكره مفصلا في باب الرياء في الكافي. (٤) من ذلك ما روى عن يزيد بن خليفة


(١) الكافي: ١/ ١٥٣؛ ابن بابويه، التوحيد: ٣٥٤؛ المجلسي، بحار الأنوار: ٥/ ١٥٦.
(٢) الكافي: ١/ ١٥٢؛ ابن بابويه، التوحيد: ٣٥٧؛ البرقي، المحاسن: ص ٢٨٠.
(٣) الكافي: ٢/ ٨٤؛ ابن بابويه، علل الشرائع: ٢/ ٥٢٤.
(٤) الكافي: ٢/ ٢٩٣