للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: قال أبو عبد الله: كل رياء شرك، إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله. (١) وأيضا قد ورد في الحديث المتفق عليه (٢) أن الندامة هي التوبة. (٣) فقد علم أن مدار تأثير العمل على ميل القلب وهوى النفس ولما ذهبت شهوة العمل في حالة الندامة ذهب أثرها أيضا ولو بعد مدة وزمان طويل. وفي الكافي عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: كفى بالندم توبة. (٤) وأيضا عن أبي عبد الله قال: إن الرجل ليذنب فيدخله الله به الجنة. قلت: يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: إنه يذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه الله ويدخله الجنة. (٥) وإذا كان مدار الجزاء على النية وميل النفس واستحسان القلب فإن خلق الله أفعالا على وفق إرادة العبد وميله وهوى نفسه وجازى العبد على ذلك فلم يكن ظلما. نعم يتصور الظلم لو كان خلق أفعال العبد ابتداء من دون تخلل إرادته وميله كأفعال الجمادات من نحو إحراق النار وقتل السم وقطع السيف وكسر الحجر، وإذا كانت أفعال العباد تابعة لإرادتهم وأهواء أنفسهم كان لهم دخل في تلك الأعمال فوجدوا منها حظا فذاقوا جزاءها بحسب ذلك، وهذا هو معنى الكسب والاختيار عند التحقيق. (٦)

هذا وإذا قيل إن ذلك الميل وهوى النفس من خلقه وإيجاده إذ ظاهر أن العبد لا قدرة له على إيجاده والله سبحانه إذا خلق الميل والهوى فلم يؤاخذ العبد على ذلك ويجازيه؟ فجوابه أن هذه الشبهة مع اعتقاد أن العباد خالقون لأفعالهم أيضا واردة على الشيعة، لأن الدواعي الواردة على جميع الأسباب والمبادئ لصدور الفعل من القدرة والقوة والحواس والجوارح بل وجود العبد الذي هو أصل الأصول للأفعال كلها مخلوقة لله تعالى بالبداهة والإجماع ولا دخل فيها للعبد أصلا. وتحقيق المقام أن الاختيار لما قارن الفعل وتوسط معه صار ذلك الفعل اختياريا وخارجا من حريم الاضطرار وموردا للمدح والذم ومحلا للثواب والعقاب وكون الاختيار باختياره ليس ضروريا بل هو محال للزوم التسلل إذ ليس لأحد في المشاهدة قدرة على خلق الاختيار أصلا في غيره وصعب على العقل فهم هذا المعنى بالقياس لفقدان النظر الجزئي، ولكنه إذا خلى نفسه حتى يبعد عن شوائب الأوهام


(١) الكافي: ٢/ ٢٩٣؛ البرقي، المحاسن: ص ١٢١.
(٢) يعني ما بين أهل السنة والإمامية
(٣) أخرج الإمام أحمد: كفارة الذنب الندامة». المسند: ١/ ٢٨٩؛ وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: ٥/ ١٩٩. قال الهيثمي: «وفيه يحيى بن عمرو بن مالك النكري وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات». مجمع الزوائد: ١٠/ ٢١٥.
(٤) في المطبوع (الندم) والتصحيح من الكافي: ٢/ ٤٢٦؛ ابن بابويه، الخصال: ١/ ١٦.
(٥) الكافي: ٢/ ٤٢٦؛ الديلمي، إرشاد القلوب: ١/ ١٨٠.
(٦) قال ابن تيمية: «والفعل هو الكسب لا يعقل شيئان في المحل أحدهما فعل والآخر كسب». منهاج السنة النبوية: ٣/ ٢١٠ ..