للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومأخوذية المألوفات ويحصل له الصفوة بعد ذلك يجزم بأن مدار كون العقل اختياريا على وجود الاختيار لا على إيجاد الفعل ولا على إيجاد الاختيار. مثلا لو أراد عبدُ أحدٍ أن يأبق، وأبلغه الآخر إلى مقصده بعد ما أطلع على إرادة قلبه وميله بإظهاره أو بوجه آخر، يكون هذا الإباق منسوبا إلى ذلك العبد عند العقل البتة، وإن كانت مباشرة الفعل حاصلة من الغير ومبنى قلب العبد حاضر له من نفسه.

فإذن ظهر لك أن ليس الفرق في اعتقاد أهل السنة والشيعة بذلك إلا هذا القدر: إن أهل السنة يعتقدون أن اختيار العبد محفوف من كلا الجانبين بفعل الله تعالى: من الجانب الفوقاني بخلق الاختيار والإرادة والهوى وميل النفس، ومن الجانب التحتاني بخلق الفعل. والشيعة يعتقدون أن اختياره من الجانب الفوقاني بفعل الله تعالى لا من الجانب التحتاني وهو خلق الفعل فإنهم يقولون إن خلق الفعل وظيفة العبد. وعلى العاقل هنا أن يتأمل، فإن الجانب الفوقاني للاختيار إذا كان في يد الغير لزم الجبر ونشأ الإشكال في أمر الجزاء والثواب والعقاب، فترك البديهة العقلية التي هي قاضية باستحالة صدور الإيجاد من الممكن عن اليد مجانا ثم الانغماس في الدجل الشيطاني أي لطف يكون له؟ (١) وقد نقل سابقا برواية صاحب المحاسن وهو البرقي (٢) وبرواية الكليني عن أبي الحسن الكاظم أنه قال لا يكون شيء إلا ما شاء الله وأراد. وقد روي عن رئيس فقهاء أهل السنة أبي حنيفة الكوفي أنه قال: قلت لأبي جعفر بن محمد الصادق: يا ابن رسول الله هل فوض الله الأمر إلى العباد؟ فقال: الله أجل من أن يفوض الربوبية إلى العباد. فقلت: هل أجبرهم على ذلك؟ فقال: الله أعدل من أن يجبرهم على ذلك. فقلت: وكيف ذلك؟ فقال: الله أعدل من أن يجبرهم على ذلك. فقلت: كيف ذلك؟ فقال: بين بين، لا جبر ولا تفويض ولا إكراه ولا تسليط. (٣) وضع أهل السنة بناء مذهبهم على هذه الرواية في مسألة خلق الأفعال، حيث يعتقدون نفي الخلق عن العباد ولا خلق إلا لله، ويثبتون الكسب لهم مطابقا لإرشاد الإمام الصادق. وهذه


(١) في العبارة غموض، ولعل فيها تحريفا عن الطبعة الهندية.
(٢) هو أحمد بن محمد بن خالد المتوفى سنة ٢٧٤. له ترجمة في روضات الجنات ص ١٣ - ١٤ من الطبعة الثانية، وفي هدية الأحباب ص ١٠٥.
(٣) الكافي: ١/ ١٦٠ ولم يصرح فيها أن السائل أبو حنيفة.